سلم عليّ بطرف عينه وحاجبه
رد التحية زين يعرف واجبه
سلم عليّ وخاف لا يشوفونه
أهله عداوة وياي ويمنعونه
لي مر الأسمر كلهم يحيونه
يا هلا بجيتك يا حبيب ومسهلا
بهذه المقدمة أطلق فنان الريف العراقي «حضيري حسن بن إرهيّف بن غالي بن شلول بن ديوان الصرخبي العبودي» الشهير فنياً باسم «حضيري بوعزيز» أغنيته الخالدة «سلم علي» من ألحانه، والتي كانت تصدح لسنوات طويلة من مقاهي العراق الشعبية ودول الخليج العربية، مع أغانيه الأخرى الجميلة مثل «يا نايم صحي النوم»، و«عمي يا بياع الورد»، و«ألف دمعة» و«هلي يا ظلام»، و«حمام ياللي»، و«إحميد يا مصايب الله».
وكانت البحرين والكويت تحديداً البلدين اللذين امتلك فيهما شعبية ساحقة تجاوزت شعبية كبار مطربي مصر. وبسبب شعبيته الطاغية في البحرين وجهت له دعوة لزيارتها في خمسينيات القرن العشرين من أجل تسجيل أغانيه في إذاعة البحرين اللاسلكية التي انطلق إرسالها في عام 1955.
تميز حضيري عن غيره من مطربي العراق بأنه كان يجيد أداء جميع أطوار الابوذيه دون استثناء، ويلحن أغانيه، بل وينظم كلماتها، على الرغم من أميته وعدم التحاقه بالمدارس. كما تميز عنهم بالتفاعل مع معاناة أهله وناسه، فلم تقتصر أغانيه على مواضيع الحب والغرام والهجر والصدود فقط، وإنما أيضاً مواضيع اجتماعية عدة، فغنى أغنيات مثل: «يابو بشت بيش بلشت»، و«شيريد مني المختار»، و«عمي يابو التموين»، و«فوق فوق على الرصيف»، و«الموصل حلوة وفلة»، و«أحيا وأموت ع البصرة، خلت في قليبي حسرة».
ولد حضيري بمنطقة «الشطرة» بمحافظة ذي قار سنة 1909، لأب من عشيرة العبودة الواسعة الانتشار من فخذ الصراخبة المعروف بين أفخاذها. وتيتم مبكراً بسبب فقده لوالده في صراع مع جباة الضرائب العثمانيين فتولت عمته نورة تربيته وكلفته في صباه يرعى أبقارها في ريف الشطرة، وأثناء نشأته لدى عمته تأثر بما كانت تغنيه الأخيرة من أغانٍ حزناً على شقيقها الشهيد، فكان يقلدها حينما يختلي بنفسه على ضفاف المياه أو وسط بساتين النخيل.
وسرعان ما انتشر خبره لدرجة أن الريفيين أطلقوا عليه لقب «بلبل الريف». ومما يذكر عنه أنه إبان تلك الفترة من حياته تعرف على المطرب داخل حسن الذي كان يعمل في رعاية المواشي بإحدى القرى المجاورة لقريته فكانا يتعاونان ويشتركان بالغناء سوياً، خصوصاً في ظل ترابط عشيرتيهما.
انتقل حضيري لاحقاً إلى الناصرية للعمل كخياط لدى خاله حسين الذي كان يمتهن خياطة الملابس. وفي عام 1927 سمعه محافظ الناصرية عبدالله الجسام ومدير شرطتها عبدالله عوني وهو يغني للترفيه عن نفسه خلف ماكينة الخياطة، فقاما بتعيينه خياطاً في سلك الشرطة برتبة نائب عريف. وهكذا انضم إلى الشرطة العراقية وتعرف من خلال فرقتها الموسيقية على العزف والأناشيد.
ومن الشرطة انتقل إلى بغداد في عام 1936 للعمل بالإذاعة بناءً على طلب وزارة المعارف التي كانت تشرف آنذاك على الإذاعة العراقية، حيث تم اعتماده مطرباً في مارس 1937 بعد نجاحه في الاختبارات، وكانت أغنية «هلي يا ظلام» من أوائل الأغنيات التي غناها في الإذاعة بعد قبوله.
بسبب جمال صوته وقوة حنجرته تزاحمت عليه شركات الأسطوانات ليسجل لديها، فسجل مجموعة كبيرة من الأسطوانات لأغانٍ تزيد على المائتين لدى كبريات شركات التسجيل المشهورة وقتذاك مثل: شركة بيضافون في 1926 وشركة هزماستر فويس في عام 1933، وشركة جقماقجي في 1956.
ومنذ عام 1945 راح يحيي الحفلات في الإذاعة وعلى المسارح، فذاع صيته أكثر وأكثر بدليل تقديمه لحفلات طربية خارج العراق، خصوصاً بعد إطلاقه لأغنيتي «سلم علي» و«عمي يا بياع الورد» اللتين لحنهما بنفسه، ناهيك عن تزاحم الميسورين عليه للغناء في حفلاتهم الخاصة.
وهكذا استمرت حياة الرجل، التي لم تكن قاسية كثيراً لأن حب ورعاية أهله وعشيرته له عوضاه عن يتمه وأميته وقلة حيلته، ثم لأن شهرته وأعماله الغنائية أمنت له مستوى معيشياً لائقاً. غير أنه أحيل على التقاعد مجبراً في أوائل السبعينيات، فعاش ظروفاً صحية واقتصادية صعبة، واعتزل الغناء ليتوفى، رحمه الله، في عام 1973.