صادف يوم 11 أغسطس الجاري الذكرى السابعة لرحيل الفنان المسرحي الكويتي الكوميدي الأشهر عبدالحسين عبدالرضا المكنى بـ«أبوعدنان»، والذي يعد من رواد فن التمثيل في منطقة الخليج العربي بأسرها، لكن كيف حقق أبو عدنان هذه الريادة، التي جعلت منه عبر السنين واحداً من أبرز الفنانين العرب مسرحياً ودرامياً؟
ولد أبوعدنان في 6 ديسمبر 1939م في دروازة عبدالرزاق بفريج العوازم شرق العاصمة الكويت في أسرة فنية، فأخوه أميرعبدالرضا فنان تشكيلي ومسرحي، وابن أخيه علي محسن ممثل، وابن أخته هو المذيع والممثل «بوخرشد»، وابن عمه هو المطرب عيسى عبدالله خورشيد المعروف فنياً باسم «غريد الشاطئ»، لذا لم يكن غريباً أن يتملكه الشغف بالفن والتمثيل والغناء منذ شبابه المبكر، خصوصاً مع امتلاكه صوتاً جميلاً استثمره لاحقاً في الغناء من خلال أعماله وأوبريتاته المسرحية.
بعد إتمام تعليمه التانوي بمدرستي المباركية والأحمدية، عمل موظفاً في دائرة الطباعة بوزارة الإرشاد والأنباء (الإعلام حالياً)، التي ابتعثته إلى مصر سنة 1956 لدراسة فنون الطباعة، ثم أرسلته على نفقتها مجدداً إلى ألمانيا سنة 1961 لذات الغرض، ليعود ويتدرج في الوظائف الحكومية حتى وصل إلى منصب مراقب عام الطباعة بوزارة الإعلام، ثم ليتقاعد بدءاً من سبتمبر 1979.
بدأ اشتغاله بالفن في مطلع الستينيات من القرن العشرين من خلال انضمامه إلى زملائه ومجايليه من أمثال خالد النفيسي، وعلي المفيدي، وسعد الفرج، وإبراهيم الصلال، وغانم الصالح، وغيرهم لتأسيس حركة مسرحية كويتية جادة.
تزامن ذلك مع تحقيق الكويت استقلالها الناجز سنة 1961، واهتمام حكومتها برعاية ودعم مختلف الفنون، وعلى رأسها المسرح، الذي استقدمت الدولة الفتية من أجل تطويره على أسس علمية، المسرحي المصري الكبير زكي طليمات، وعليه يمكن القول إن أبا عدنان كان محظوظاً أولاً لمعاصرته تلك الفترة الذهبية من تاريخ الكويت برجالاتها الأفذاذ الشغوفين بالفن (عبدالعزيز حسين، وحمد عيسى الرجيب، وأحمد مشاري العدواني) وثانياً لتتلمذه على يد طليمات، الذي قام بتأسيس أول معهد للدراسات المسرحية في الخليج.
يحكى أن أول عمل مسرحي أخرجه طليمات في الكويت كان مسرحية «صقر قريش» بالفصحى، وكان مقرراً أن يمثل فيه الفنان عدنان حسين، لكن الأخير تغيب لظروف خاصة، فتم منح دوره لأبي عدنان، الذي أجاد وأدهش طليمات بأدائه المتقن وصوته النقي ومخارج ألفاظه. شكل هذا الحدث نقطة انطلاق أبي عدنان الفنية كممثل قادر على أداء المطلوب منه بحرفية، بل قادر أيضاً على انتزاع الضحكة والابتسامة من الجمهور بصورة عفوية.
ومع مرور السنوات نجح في الصعود إلى قمة القمم، من خلال أعمال لا تتوخى الإضحاك والترفيه فحسب وإنما أيضاً النقد الهادف للعاهات المجتمعية، والفساد والتبذير والاحتيال والتشدد الديني، وسوء استغلال الوظائف العامة والشراهة الاستهلاكية وغيرها، على نحو ما ظهر في أعماله الدرامية الخالدة مثل: مسلسلات «درب الزلق»، و«الأقدار»، و«عتاوية الفريج» و«درس خصوصي».
و«قاصد خير»، و«سوق المقاصيص»، ناهيك عن مسرحياته الهادفة مثل: «باي باي لندن» و«اغنم زمانك»، و«الكويت سنة 2000»، و«30 يوم حب»، و«بني صامت»، و«ضحية بيت العز»، و«على هامان يا فرعون»، و«عزوبي السالمية»، و«فرسان المناخ»، و«فرحة أمة»، و«هذا سيفوه»، و«سيف العرب»، و«مراهق في الخمسين»، وغيرها.
قلنا إن أبا عدنان كان صاحب صوت جميل. يشهد على ذلك قيامه بعمل أوبريتات تمثيلية غنائية لاقت نجاحات كبيرة مثل «بساط الفقر» مع الفنانة سعاد عبدالله، التي كون معها ثنائياً ناجحاً، وقيامه بالغناء في عدد من أعماله المسرحية والدرامية مثل درب الزلق.
توقفت مسيرة الرجل الفنية بُعيد انتهائه من مسلسل «العافور» سنة 2014، حينما أجرى عمليتي قسطرة للقلب في لندن في العام التالي، للعلاج من أزمات صحية بدأت معه منذ عام 2003، فدخل على أثرها العناية المركزة في مشفاه اللندني، ليتوفى بجلطة حادة في القلب في 11 أغسطس 2017، وليغيب عنا بجسده، دون صورته المخلدة في القلوب. رحم الله أبا عدنان الذي أمتع أمة بأكملها بفنه وإخلاصه وصدقه ومثابرته.