كأن المُدن الثلاث كانت على موعد مع هجمات ثلاث، راحت تستهدفها في أيام ثلاثة على التوالي، في عز حر الصيف.
كانت مدينة زولينجن الألمانية، هي صاحبة الموعد الأول، وكانت البداية عندما اتجه شاب إلى موقع يقام فيه حفل غنائي، ثم راح يطعن عدداً من مرتادي الحفل بطريقة عشوائية، وكانت الحصيلة في الآخر مقتل ثلاثة منهم، وفي مرحلة لاحقة، تبين أن الطاعن شاب سوري لاجئ إلى ألمانيا، من منطقة دير الزور، وأن اسمه عيسى، وأن عمره 26 عاماً.
كان ذلك في يوم الجمعة 23 أغسطس، فلما جاء السبت، بعدها بساعات قليلة، كان على مدينة لا جراند موت الفرنسية في جنوبي البلاد، أن تصادف موعدها، فتقدم شاب إلى كنيس يهودي في المدينة، وأشعل حريقاً، ولكنه لم يتسبب في سقوط ضحايا. وعندما تعقبت الشرطة ذلك الشاب، جرى ضبطه بعد الحادث بوقت قصير، وتبين أنه شاب جزائري نظامي، أي أنه دخل البلاد بطريقة شرعية، حسبما نقلت وكالات الأنباء التي أذاعت الخبر، وراحت تتابعه.
وما كادت ساعات أخرى تمر، حتى كانت مدينة سيدني الأسترالية على موعد مع شاب ثالث، نفذ عملية طعن، بما أدى إلى إصابة أربعة أشخاص، بينهم شرطي، ولم تكن الشرطة الأسترالية عند كتابة هذه السطور قد تبينت شيئاً بعد عن هوية الشاب، ولا عما إذا كان أحد أو جهة تقف وراءه؟.
وهكذا كانت أيام الجمعة، والسبت، والأحد، في الأسبوع الأخير من أغسطس، أياماً غير سعيدة بالنسبة للألمان والفرنسيين والأستراليين. وكانت سحابة الحزن بين الشعوب الثلاثة، وكأنها مظلة امتدت بينهم، على ما بين ألمانيا وفرنسا وأستراليا من مسافات.
وعندما هرع المستشار الألماني أولاڤ شولتز، إلى موقع الطعن في زولينجن، أبدى أسفه على ما وقع، وقال إنه سيشدد قواعد اللجوء إلى بلاده، وأنه لا حل آخر، ما دام الشاب مرتكب الجريمة لاجئاً، وما دام الحادث حلقة في سلسلة من حلقات مماثلة أو شبيهة.
وحين تأتي الوقائع الثلاث بهذا الترتيب الزمني، فلا يمكن الحديث عن أن ذلك قد تم بالصدفة، أو على الأقل لا يمكن القطع بذلك، إلى أن يتضح العكس، ولا يمكن كذلك القطع بأن كل شاب في مكانه في الحالات الثلاث، كان يتصرف من تلقاء نفسه، أو يتحرك من دماغه، ولم يكن أحد وراءه يوجهه إلى حيث سوف يطعن أو يشعل النار في الكنيس.
ومن بين تفاصيل الحادث الأول في المدينة الألمانية، أن تنظيم داعش تبناه، وأعلن مسؤوليته عنه، بعد وقوعه بوقت قليل. والحقيقة أنه من طول ما تبنّى داعش حوادث شبيهة، فإن المرء يشك في مدى صلة التنظيم بحادث كهذا أو بسواه، لأنه من الجائز جداً ألا يكون للدواعش علاقة بالموضوع، ولكنهم لا يجدون مانعاً في تبنيه، على أساس إظهار قوة التنظيم واستمراريته أولاً، ثم على أساس ركوب العملية نفسها ثانياً.
هذا وارد، وعكسه وارد أيضاً، وبالدرجة نفسها من الاحتمالية، لأن انتهازية تنظيم مثل داعش، لا يمكن أن تكون غائبة عن أحد.
ولكن على جانب آخر، لا يمكن أن تتابع الوقائع الثلاث، ثم لا يخطر ببالك مظاهرات اليمين المتطرف في بريطانيا قبل أسابيع معدودة، وكيف أن الذين انخرطوا فيها كانوا ينطقون بعداء صريح لوجود المهاجرين أو اللاجئين من أمثال الشاب السوري عيسي، أو الشاب الجزائري النظامي، أو الشاب الذي ارتكب عملية الطعن في سيدني.
مثل هذه الوقائع الثلاث، تعطي اليمين المتطرف مبرراً في ما يفعله، وتمنحه سلاحاً في يده، وتجعله في نظر كثيرين على حق في ما يتبناه ويمارسه، وفي كل الحالات، يظل المبرر زائفاً بالطبع، لأن إقدام الشاب عيسى على ارتكاب عملية الطعن في المدينة الألمانية، لا يعني أن كل الشبان السوريين اللاجئين إلى ألمانيا، أو إلى غيرها، هُم مثله، وكذلك الحال بالضبط مع الشاب الجزائري النظامي، فالتعميم خطأ لا شك، ولا يمكن أخذ الجالية السورية في ألمانيا بجريرة واحد منها، ولا أخذ الجالية الجزائرية في فرنسا، بذنب واحد فيها.. لا يمكن، وليس ذلك من العدالة ولا من الإنصاف في شيء.
ولا يزال كل عربي أو مسلم مدعواً باستمرار إلى إظهار احترامه للبلد الذي يستضيفه، وكذلك الالتزام بقوانينه وقواعد العيش على أرضه، فهذا مما سوف يبتعد بالتعميم عن نطاق أي حادث، وهذا مما سوف يخفف من وطأة أي عملية على أهل البلد الذي تقع فيه.