في عام 1949 ظهر فجأة في الوسط الفني المصري شاب ذو ملامح غريبة، قدم نفسه أنه منتج سينمائي جديد ومغرم بالأعمال السينمائية، وأن اسمه «صلاح الدين». وقتها لم يدقق أحد في هويته أو يسأل عن غاياته، لأن الكل كان يبحث عن العمل والرزق، من بعد سنوات من الكساد.
وكي لا يلفت الأنظار كثيراً أو يثير التساؤلات تجنب الاتصال بالمخرجين الكبار آنذاك، وبحث عن مخرج من الصف الثاني متلهف للعمل، فوجد غايته في المخرج عبدالله بركات (1911 ـ 1978)، واستطاع أن يقنعه بكتابة سيناريو وحوار فيلم بعنوان «ولدي» عن قصة كان قد كتبها عبدالعزيز سلام. كما أغراه بالمال كي يخرج الفيلم ويختار له أسماء فنية معينة. أما شرطه الوحيد، فقد كان إسناد دور البطولة إلى الفنانة المصرية/ اليهودية «كاميليا» (1919 ــ 1950)، على أن يقف هو شخصياً أمامها كبطل للفيلم. ولم يكن هذا الشرط غريباً أو مستنكراً وقتذاك لأن كاميليا كانت في تلك الفترة نجمة ناجحة تهوى إليها القلوب بفضل جمالها، ويتمنى الجميع الوقوف أمامها في أي عمل.
سارت الأمور على أحسن ما يرام، وشرع المخرج عبدالله بركات باختيار نجوم ونجمات العمل، بعد أن فرغ من إعداد قصة الفيلم وكتابة السيناريو والحوار، حيث اختار، عدا المدعو صلاح الدين والنجمة كاميليا، كلاً من أحمد علام في دور رجل الأعمال توفيق سامي، وحسن البارودي في دور فريد أفندي كبير موظفيه، وأنور زكي في دور محاسبه المتلاعب أمين، وفتحية شاهين في دور زوجته سميرة، ومحمود المليجي في دور سائقه مراد، وكاميليا في دور ناهد ابنة السائق مراد، ونجمة إبراهيم في دور صالحة جارة السائق مراد ومربية ابنته ناهد. كما ضم الفيلم ممثلين آخرين في أدوار ثانوية مثل إسماعيل يس ولطفي الحكيم ورياض القصبجي وعبدالمنعم إسماعيل ومحسن حسنين.
بعد ذلك دارت الكاميرات في ستوديوهات الأهرام لتصوير وقائع الفيلم الذي لم يكن سوى حدوتة تقليدية من حواديت السينما المصرية المتمحورة حول الخير والشر والظلم والعدالة والكيد والانتقام، وبطبيعة الحال أوكلت لمحمود المليجي عملية تجسيد الشر وتولي الانتقام من رب عمله السابق أحمد علام الذي طرده من وظيفته ثم أدخله السجن بتهمة محاولة قتل ابنه مدحت (صلاح الدين). وكان انتقام المليجي شرساً ومركباً، تمثل في حرق منزل توفيق سامي وخطف ابنه مدحت وتوغير صدر الأخير ضد أبيه وغير ذلك.
بعد الانتهاء من تصوير الفيلم، وقبل أن يعرض في دور السينما لأول مرة في 24 يناير 1949، قامت الشرطة المصرية بالقبض على ممثل الفيلم ومنتجه المدعو صلاح الدين، الذي تبين من التحقيقات معه والتحريات حوله أنه مجرد موظف بسيط بإحدى الشركات، وأنه اختلس من خزينتها مبلغاً ضخماً من المال، من أجل أن يحقق به حلم حياته. ولم يكن حلمه هذا سوى القيام بدور البطولة أمام النجمة كاميليا التي كان يعشقها بجنون.
وبطبيعة الحال حكمت المحكمة على صلاح الدين بالسجن بتهم الاختلاس والتزوير والاحتيال والنصب، ولم يسمع عنه شيء بعد ذلك، لكن اسمه ظل موجوداً في سجلات السينما المصرية ليس كممثل ومنتج لفيلم اسمه «ولدي» فحسب، وإنما أيضاً كأكبر محتال في تاريخ السينما المصرية.