يضيء الفيلم الوثائقي القصير على جوانب من الفترة التي قضاها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في كلية مونز العسكرية البريطانية، والتي تعد اليوم جزءاً من أكاديمية ساندهيرست العسكرية الملكية.
الفيلم يحمل قيمة تاريخية كبرى، لاستناده إلى شهادات حية لمن درب وزامل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حيث فسر الضباط الكبار الذين أشرفوا على تدريب صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، ملامح القوة القيادية التي ظهرت في شخصية سموه، حيث شد الرحال إلى بريطانيا عام 1968، للالتحاق بهذه الكلية العريقة التي لا يدخلها إلا نخبة النخبة، وهناك ظهرت المواهب القيادية الاستثنائية في شخصية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، الذي تلقى تدريباً مبكراً وصارماً على يدي والده، المغفور له بإذن الله، الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراه، جعل منه فارساً قادراً على التأقلم مع جميع الظروف الصعبة، وتحقيق أفضل المراكز المتقدمة في أي مجال من مجالات الحياة.
وإحياءً لتلك الذكريات القديمة، وإنعاشاً للذاكرة بتلك التفاصيل الجميلة المثيرة، نشر سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم ولي عهد دبي، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع، في حسابه عبر «إكس»، الفيلم الوثائقي، والذي اشتمل على مرحلة في غاية الأهمية والإثارة من حياة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، حين كان في تلك الكلية العتيدة، وضم العديد من شهادات الضباط الذين أشرفوا على تدريب سموه، واكتشفوا قدراته القيادية الفذة في كلية لا مجال فيها للمجاملة، أو إعطاء أي نوع من التعامل الخاص لأي إنسان، مهما كان منصبه، فالحياة في كلية مونز صعبة جداً، كما قال أحد الضباط المتكلمين، لكن ذلك كله كان يشكل عنصر تحفيز في شخصية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، الذي ذهب إلى تلك البلاد، وهو يعرف ما يريد، وقد وضع نصب عينيه أن يكون مصدر فخرٍ لبلاده ووالده، الذي كان يعرف قيمة هذه الغربة التي سيعود معها فلذة كبده، مصقولاً لتحمل أكبر المسؤوليات التي تنتظره في اللحظة المناسبة.
ويبدو أن ذكريات تلك المرحلة كانت عظيمة الأثر في شخصية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، ولذلك أفرد لها قصة كاملة، هي القصة رقم «22» في سيرته الذاتية البديعة «قصتي: 50 قصة في خمسين عاماً»، حيث ذكر الكثير من تفاصيل تلك المرحلة الرائعة، وكيف أنّ الحياة في تلك الكلّية كانت كفيلة بتنمية الإحساس الراسخ في عقله ووجدانه، وهو أن يكون دائماً متفوّقاً، لا يرضى بديلاً عن المركز الأوّل في قلب أصعب التحديات، ولقد كان سلوكه في تلك الكلية، يسترعي انتباه الضباط المسؤولين عن تدريبه، تحت أقسى الظروف التي ذكروا الكثير من تفاصيلها بإعجاب شديد.
ويعود صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، إلى وطنه، لينخرط في المعركة الكبرى، معركة بناء الوطن النموذج، وليتسلّم منصب وزير الدفاع، فيكون أصغر وزير دفاع في العالم، لكن مناصبه العسكرية الحساسة لم تصرفه عن معركة البناء الحضاري للوطن، فأبدع في قلب معالم الحياة في بلاده، وشكّل مجموعة من فرق العمل المستعدة للعمل معه تحت أي ظرف من الظروف، وحقق من الإنجازات الباهرة، ما جعل كبار قادة العالم يتساءلون عن سر هذه الشخصية الفريدة، وهنا يكشف صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، عن هذه المنظومة من الأسرار، والتي يأتي في طليعتها «سر الحلم»، فهو فارس يحتفظ بأحلامه الصعبة الخاصة، وكل منجزاته المتفردة، كانت ذات يوم حلماً من الأحلام، بل إنّ فكرة المركز الأول التي أصبحت مركز تفكيره، كانت حلماً من الأحلام، لكنها تحققت بفعل الإرادة القوية، والتصميم الذي لا يعرف التراجع والانكسار، فعلى هاجس الحلم المقترن بالتصميم، أصبحت دبي مدينة عالمية، ووجهة اقتصادية، لا تهدأ فيها الحركة، وبفضل ما نشأ فيها من مرافق البنية التحتية، أصبحت قادرة على استيعاب أحداث كبرى، وحين كان مطار دبي حلماً يداعب خيال الشاب الطموح، حين كان في إنجلترا، أصبح حقيقة، يتفوق من خلالها على مطار هيثرو اللندني العملاق، وحين كان الذهاب إلى الفضاء حلماً يراود الرواد الأوائل، أصبح في زمن هذا القائد الاستثنائي حقيقة واقعة، وقل مثل ذلك في تحقيق جميع أحلامه في إنشاء مرافق الدولة ووزاراتها، وبناء المدارس والجامعات، وتشييد الطرق والمستشفيات، لا، بل إنّ دولة الإمارات العربية المتحدة، كانت في مرحلة من المراحل حلماً راود خياله، وبذل في سبيل تحقيقه كل غالٍ ونفيس، لكن أحلام صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، هي أحلام الفرسان التي تدخل فوراً في حيّز التخطيط والتنفيذ والتجسد، حقيقة ماثلة للعيان، وإلا فالكل قادر على الحلم، وإنما الشأن في تحقيق الأحلام، وجعلها حقيقة واقعة.
أمّا السرّ الثاني في شخصية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد القيادية، فهو ترويض التحديات، فهو من عشاق التحديات، ويقول بصوت مرتفع، يملأ النفوس عزيمة وإصراراً: ما قيمة الحياة بدون تحديات؟ بل هو لا يتخيّل الحياة بدون هذه التحديات التي تستخرج أفضل ما في الإنسان من الطاقات، ومن يتأمل في مسيرة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، خلال أكثر من خمسين عاماً، يرى أنّها في جوهرها قائمة على التحديات.
أما السرّ الثالث من أسرار شخصيته القيادية، فهو سرّ الريادة، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، قائد يتقدّم الصفوف، ولا يقتنع بالبقاء في الصفوف الخلفية، فالقائد يجب أن يكون دائماً في الأمام، ويمتلك رؤية يستطيع على أساسها أن يقود فريق العمل الذي يعمل معه، وأن يشرحها، ويدافع عنها كي تتشكل المسيرة ضمن الرؤية الواضحة والقناعة التامة بالعمل والإنجاز.
ويأتي سرّ تمكين القيادة في المرتبة الرابعة، بين منظومة الأسرار في شخصية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، فهو قائد، ولكنه لا يعمل بمفرده، بل يعمل مع مجموعة ضخمة من فرق العمل، الذين يستفيد من أفكارهم، ويتحمّلون معه مسؤولية الإنجاز والإبداع، تماماً كما يتحمّلون مسؤولية أية عثرة في مسيرة العمل، فهو شديد الاعتداد والاعتماد على فكرة فريق العمل، ويرى أنّ القائد الحقيقي هو الذي ينجح في تحقيق هذا المطلب الجوهري في مسيرة التنمية الشاملة للدولة والوطن.
أما السرّ الخامس، فهو سرّ بناء الإنسان، ومنذ نشأة هذه الدولة، وهي تضع نصب عينيها هدف الارتقاء بالإنسان، وإعداده إعداداً خاصاً، يحترم طاقاته وملكاته، وهو في نظر صاحب السموّ الشيخ محمّد بن راشد، أخطر مظاهر البناء، لأنّ الخطأ في بناء الإنسان، لا يمكن إصلاحه أبداً.
أما آخر هذه الأسرار في شخصية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، فهو سرّ إعداد القادة الذين يمتلكون روح الأسد في الجرأة والإقدام، وحكمة الشيوخ في إفساح المجال واسعاً للنقاش والحوار، وإثراء الوعي من خلال التواصل الذكي بين الأجيال لإنضاج الشخصية القيادية على نار هادئة، تضمن لها تحقيق كلّ الأهداف المرتجاة منها، حين تتسلم دفة القيادة في أي موقع من مواقع العمل والإنجاز.
إن الحديث عن أسرار الشخصية القيادية لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، يحتاج إلى مساحة واسعة، لا يسمح بها هذا المقام، فهو مدرسة تتعلم منها الأجيال كل معالم التفكير القيادي، وهو مصدر إلهام تستلهم منه الأجيال العزيمة القوية، والإرادة الحاسمة في العمل والإنجاز، وهو القائد الرائد الذي يقتحم الصفوف، ويرتاد الآفاق بجسارة لا نظير لها، وهو الرجل الإنسان الذي لو ظل صامتاً طول الحياة، فإنّ إنجازاته المتميزة الكبرى، هي خير من يتكلّم عن مسيرة هذا القائد الفذ، الذي يصطفّ بكل كفاءة واقتدار في الصف الأول بين قادة العالم الكبار.