في مؤتمر عقد أخيراً، طُلب مني التعليق حول موضوع يتعلق بحالة الاستقطاب الأمريكي الداخلي وعلاقاته بالسياسة الدولية. والموضوع متعلق بين حركة «ماغا» (MAGA) وتوجه «ووك» (WOKE). الأول مختصر للحركة التي يتزعمها الرئيس السابق والمرشح الرئاسي الحالي دونالد ترامب وهي اختصار «جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى». أما «ووك» فهي مصطلح استخدمه الأمريكيون من أصول أفريقيا بمعنى الصحوة أو الوعي للتفرقة العنصرية تاريخياً وحاضراً.

ويدعو هذا التيار أي «ووك» إلى إعادة قراءة التاريخ وتوعية النشء بالمظالم التي وقعت على الأقليات العرقية والنساء وبقية المهمشين في المجتمع الأمريكي. كما أن التيار يتعامل مع القضايا التي تواجه الأقليات، لا سيما السود، مثل عنف الشرطة ضد الأقليات والتي تصل إلى استخدام العنف المفرط الذي يصل إلى حد القتل أحياناً.

والسؤال المطروح هل هذه الانقسامات الداخلية ستؤثر على العلاقات الخارجية للولايات المتحدة؟ يقول أحد الكتاب الناقدين لتيار «ووك»، إن السياسة الأمريكية الخارجية انحرفت من مهمتها الأساسية وهي حماية المصالح القومية للولايات المتحدة بدلاً من ترويج أيديولوجية معينة قائمة على أسس عرقية وجندرية وجنسية. هذه السياسات لا تخدم الولايات المتحدة وتستفز أصدقاءها لأنها ضد قيمهم الموروثة.

ويقول تقرير صادر عن معهد هيرتج المحافظ إن الخارجية الأمريكية انحرفت من الأهداف المنوطة بها وهي حماية المصالح الأمريكية وأمنها وترويج قيمها الديمقراطية في الخارج، وسعت بدلاً من ذلك إلى ترويج قيم أيديولوجية ليس عليها إجماع داخلي ولا ترضي لا أصدقاءنا ولا أعداءنا في الخارج.

وينتقد كاتب إسرائيلي «ووك» على أساس أنها تشن حملة على إسرائيل وتشوه سمعتها والتي تتعارض مع جوهر القيم الأمريكية. وان «ووك» «تسببت في تغيير مفاجئ في التوجه السياسي لقطاع من اليهود الأمريكيين وبعض من النخبة والتي إن لم تتوقف ستؤدي إلى تآكل علاقات الولايات المتحدة وإسرائيل والأمن الوطني لإسرائيل».

ويضيف الكاتب أن تيار «ووك» لا يؤثر على إسرائيل فحسب ولكن يفت في عضد الولايات المتحدة وعزمها على لعب دور حاسم في الساحة الدولية. لأن هذا التيار ينتقد تاريخ الولايات المتحدة ومثالبها في التعامل مع الأقليات، وبالتالي يشكك في دورها التاريخي والدولي.

والواقع فإن تيار «ووك» يتساءل كثيراً عن المظالم التي وقعت على كثير من الشعوب في تأسيس الولايات المتحدة وخصوصاً السكان الأصليين ومن الأفارقة الذين جلبوا واستعبدوا.

ويدعو التيار إلى مراجعة تاريخ الولايات المتحدة مراجعة نقدية والتخلص من كثير من الشوائب التاريخية والمغالطات التاريخية، والتي تلمع من صورة التاريخ الأمريكي رغم المآسي الكبيرة. كما يطالب بتدريس هذه المراجعات حول التاريخ الأمريكي في المدارس العامة.

ويذكر وزير الخارجية الأسبق هنري كسينجر في مقابلة قبل وفاته أنه مرتاب من إعادة قراءة التاريخ قراءة نقدية، وقال: «إن أقل مطلب لإنجاز عظيم لأي مجتمع هو الإيمان بغاياته وبسجله التاريخي. وإذا ما عمد النظام التعليمي بشكل متزايد للتركيز على أوجه القصور لتاريخه وليس لغايات المجتمع، فحينها سيضعف عزمها للعمل دولياً ويصوب نفسه إلى الصراعات الداخلية».

والحركة «ماغا» فإنها ترى أن الولايات المتحدة منخرطة بشكل كبير على حساب المصالح الأمريكية. وإن دول العالم مستفيدة من دور الولايات المتحدة ولا تدفع أي ثمن للأمن الدولي الذي تقدمه واشنطن في العالم. وقد آن الأوان لواشنطن لترتيب وخدمة بيتها بدلاً من التورط في حروب خارجية أو مهام بناء الأوطان الأخرى.

هذه حدود الاستقطاب الكبير الذي يواجه الولايات المتحدة اليوم. وللأسف فإن الانتخابات والتي كانت الحكم في الخلافات الأمريكية لم تعد كذلك بسبب وهن المؤسسات السياسية والاجتماعية للجمهورية. وكما قال الشاعر:

أرى تحت الرماد وميض نار

ويوشك أن يكون لـه ضـرام

فإن لم يطفها عقلاء قوم

يكون وقودها جثث وهام.