ماذا تريد إسرائيل من الضفة الغربية ؟
أغلب الظن أن الهدف الحقيقي لإسرائيل هو الضفة وليس غزة، حتى لو كان الهجوم الإسرائيلي على غزة المستمر منذ 7 أكتوبر الماضي قد أدى لاستشهاد نحو 41 ألف شخص وإصابة نحو مئة ألف وتشريد نحو 1.8 مليون فلسطيني في القطاع، وتدمير غالبية البيوت والمؤسسات والمنشآت.
كل من يتابع الصراع الإسرائيلي الفلسطيني يدرك أن الأطماع الإسرائيلية في الضفة هي الأصل والأساس، بل إن هذه الأطماع في الضفة ربما تكون أهم من مدن وأراضٍ تقع في مناطق 1948. الضفة أو «يهودا والسامرة» في المخيلة الإسرائيلية هي أرض أنبياء بني إسرائيل.
قد يختلف الإسرائيليون على قضايا كثيرة مثل طبيعة الحكم والدولة، ومثل دور الدين، وهل إسرائيل يهودية أم صهيونية أم علمانية، وقد يختلفون على دور القضاء في الحكم، وقد يختلفون على قضايا اقتصادية واجتماعية كثيرة، لكنهم يتفقون على ضم القدس وعدم قيام دولة فلسطينية.
وإذا كانت إسرائيل قد قررت ضم الجولان السوري المحتل، فليس مستغرباً أن تفعل ذلك مع القدس العربية المحتلة ظناً أن «هيكل سليمان» موجود أسفل المسجد الأقصى. وقد ذهب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أكثر من مرة إلى الكنيست طالباً مشروع قانون بعدم الموافقة على دولة فلسطينية بجوار إسرائيل، وكانت النتيجة هي تصويت بالإجماع تقريباً على ذلك حتى من قبل كل القوى المعارضة للحكومة الحالية بمن فيهم شخصيات معارضة مثل يائير لابيد وبيني غانتس. ولم يعارض هذا القانون إلا الأعضاء العرب في الكنيست.
ليس معنى ما سبق أن قطاع غزة ليس مهماً في الاستراتيجية والأطماع الإسرائيلية، بل نرى دعوات كثيرة هناك تطالب بالعودة للاستيطان كما كان الحال حتى 2005 حينما انسحبت إسرائيل من طرف واحد من القطاع، بعد أن تم استنزافها كثيراً بفعل المقاومة الفلسطينية، التي جعلت عدداً كبيراً من قادة إسرائيل ومنهم إسحق رابين يقول إنه يحلم بأن يستيقظ ليرى غزة وقد غرقت في البحر!
ورغم كل ما سبق فإن الأطماع في الضفة هي الأساس وربما خير من عبر عن هذه النوايا وكشفها بلا لبس أو تجميل يتسلئيل سموترتيش وزير المالية ورئيس حزب الصهيونية الدينية، وأحد أهم شركاء نتنياهو في الائتلاف اليميني المتطرف الحاكم.
سموتيرتش وعمره حوالي 45 عاماً متطرف جداً ليس فقط ضد الفلسطينيين الذين طالب بحرقهم في قرية حوارة، بل ضد الإصلاحيين واليساريين في إسرائيل وهو كرس نفسه لإجبار الفلسطينيين على الرحيل من الضفة عبر سحب أراضيهم أو تخريبها أو تسليح ودعم المستوطنين المتطرفين مع زميله في التطرف ايتمار بن غفير وزير الأمن القومي ورئيس حزب «قوة يهودية».
سموتريتش نشأ وترعرع في مستوطنة «بيت أيل» ودرس في معاهدها المتطرفة، وخلاصة تفكيره أنه لا حدود للاستيطان. لكن أهم وأخطر ما فعله سموتريتش هو دراسته التي أصدرها عام 2017 وأعاد نشرها وتجديدها في يونيو 2023 وجوهرها أن أمام الفلسطينيين في الضفة ثلاثة خيارات لا رابع لها: أولها أن يقبلوا العيش في إطار الدولة الإسرائيلية اليهودية كمواطنين من الدرجة الثانية بلا أي أمل في دولة فلسطينية مستقلة. والخيار الثاني أن يتم تهجيرهم إلى أي دولة أخرى، والخيار الثالث أن يتم قتل أي فلسطيني يرفض الخيارين الأول والثاني ويقرر مقاومة إسرائيل.
هذه الخطة كانت مجرد أفكار وأوهام لزعيم متطرف، لكن خطورتها أن صاحبها وصل للسلطة وصار السند الأساسي لنتنياهو، ويتولى وزارة المالية التي تتحكم في التمويل، خصوصاً للمتطرفين، بل ويصارع الجيش الإسرائيلي لكي يستولي على صلاحياته ويسرع من تهويد الضفة وتدمير غزة.
المتطرفون في إسرائيل يعتقدون أن اللحظة مناسبة لتنفيذ خطة الحل النهائي وتصفية القضية الفلسطينية. داخلياً وإقليمياً ودولياً.
تجربة إسرائيل في هجومها على غزة منذ 7 أكتوبر الماضي تقول إن العالم يندد بها ويرفض عدوانها، لكنه لم يتحرك لمنعها خصوصاً مع الدعم الأمريكي واسع النطاق، وبالتالي فهي إذا تحركت الآن - وقامت بهدم المخيمات وأكبر قدر من مباني الضفة، وكررت اقتحام المسجد الأقصى بواسطة ليس فقط متطرفين ومستوطنين بل عبر وزراء في الحكومة - فإن ذلك سوف يسرع من تطبيق خطة سموتريتش التي هي في الأساس خطة الجناح اليميني المتشدد وربما خطة غالبية الإسرائيليين.
من المهم أن يفكر الفلسطينيون والعرب وكل العالم في جوهر الأهداف الإسرائيلية ولا يتوقفوا كثيراً أمام الفرعيات، رغم أهميتها حتى لا يتفاجأوا بما هو أسوأ.