يتساءل الكثيرون عن أسباب صمت «حزب الشعب» التايلاندي وأنصاره، وابتعاده عن لعب دور في أحداث تايلاند السياسية التي كان آخرها تصويت البرلمان في 14 أغسطس على تسمية الشابة «بيتونغتارن شيناواترا» (37 عاماً)، المعروفة باسم «أونغ إينغ» رئيسة للحكومة بدلاً من «سريتا تافيسين» الذي تم إسقاطه قبل أن يكمل عامه الأول في السلطة بسبب صدور حكم قضائي ضده على خلفية قيامه بتعيين وزير مدان بالرشوة في حكومته.
وحزب الشعب، جسم جديد في الحياة السياسية التايلاندية، تأسس بهذا الاسم تيمناً بحزب عسكري قديم كان يحمل الاسم نفسه ونجح في وضع نهاية للملكية المطلقة في البلاد في عام 1932، بل هو في حقيقة الأمر بديل لحزب «التحرك إلى الأمام» الليبرالي الصغير الذي أسسه وقاده رجل الأعمال التقدمي وخريج جامعة هارفارد الأمريكية العريقة «بيتا ليمغارونرات» وخاض به الانتخابات العامة الأخيرة في مايو 2024، ففاجأ الجميع بحلوله في المركز الأول وحصوله على 151 مقعداً من أصل 500 مقعد.
غير أن توجهاته الليبرالية والتقدمية ودعواته الصريحة لبرامج إصلاحية طموحة تتعلق بإعادة هيكلة النظام السياسي جذرياً وتقليص صلاحيات الملك «ماها فاجيرالونغكورن»، جعل العسكر وأنصار الملكية يرتابون فيه، فحشدوا أعضاء البرلمان الموالين لهم كي يحولوا دون حصول زعيمه ليمغارونرات على الثقة البرلمانية اللازمة لتشكيل حكومة جديدة برئاسته، بل عملوا، فوق ذلك، على إقصائه من الحياة السياسية عبر دفع المحكمة الدستورية إلى رفع قضية ضده بدعوى أنه كان مساهماً في شركة إعلامية وقت خوضه انتخابات مايو 2024.
وعليه أبطلت المحكمة عضويته مع مجموعة من أنصاره، وحظرت حزبه (التحرك إلى الأمام). وعلى حين انضم عدد من قادة حزبه إلى أحزاب أخرى، شكل الآخرون حزباً جديداً باسم «المستقبل».
وهنا أيضاً ضغط العسكر مجدداً على المحكمة الدستورية لإيجاد ثغرة قانونية تحول دون ممارسة الحزب الجديد للعمل السياسي، ونجحوا في ذلك، ليتحرك أنصار ليمغارونرات ويعيدوا تشكيل حزبهم تحت اسم «حزب الشعب» بقيادة جديدة لا تضم ليمغارونرات و11 شخصية قيادية أخرى، منعت جميعها من ممارسة السياسة لعقد من الزمن.
بعد إقصاء ليمغارونرات من البرلمان ومنعه من قيادة تايلاند، ذهب منصب رئيس الوزراء لغريمه «سريتا تافيسين» زعيم حزب «بيوا تاي» الذي حل في المركز الثاني بعده، وذلك بموافقة العسكر وأنصارهم في البرلمان، لأنهم وجدوا في هذا الحزب أهون الشرين.
فحزب «بيوا تاي»، أو الواجهة السياسية لرئيس الوزراء الأسبق المليادير الفاسد «تاكسين شيناواترا» ليس سوى كيان شعبوي مناهض للملكية سراً ويرتدي أنصاره القمصان الحمراء وأغلبهم من الريفيين الفقراء المغرر بهم، ممن تسببوا سابقاً في قلاقل واضطرابات واصطدامات دموية مع أنصار مؤسستي القصر والجيش الذين يميزون أنفسهم بارتداء القمصان الصفراء.
ومن هنا صارت مقولة «البرتقالي هو الأنسب لتايلاند» تتردد على ألسنة الكثيرين كخيار سياسي وسط بين «الأحمر» الذي يمثل شيناواترا وزمرته الذين أفسدوا الحياة السياسية، و«الأصفر» الذي يمثل العسكر وأنصارهم من المحافظين ممن تسببوا أكثر من مرة في انقلابات عسكرية، فأجهضوا التجربة الديمقراطية وحالوا دون استقرار سياسي طويل.
ولكي نجيب عن أسباب عدم خروج أنصار حزب الشعب، الذين يقدرون بعشرات الآلاف، إلى الشوارع للاحتجاج على الظلم الذي لحق بزعيمهم المحظور من العمل السياسي حالياً، وعلى التطورات التي أعادت أسرة شيناواترا المعروفة بطموحاتها اللامحدودة إلى السلطة، نستعين بمقابلة صحفية أجرتها صحيفة «آسيا تايمز» الصادرة في هونغ كونغ مع «ثاناثورن»، أحد قادة البرتقاليين، قالها فيها ما مفاده إن أنصاره المنضوين تحت راية حزب الشعب سوف يواصلون حملاتهم الحثيثة من أجل إصلاح النظام الملكي، لكن الوضع الحالي غير مناسب للتحرك في الشارع بسبب السيف المسلط عليهم والمتمثل في قانون «العيب في الذات الملكية» الذي يمكن أن يؤدي إلى سجن المنتقدين لمدة 15 عاماً، ناهيك عن أن «هدفنا التغيير السلمي والابتعاد عن العنف»، مشيراً في هذا السياق إلى سهولة تحشيد أنصاره، ولا سيما من طلبة جامعة تاماسات في بانكوك التي لطالما لعبت أدواراً تاريخية كمعقل للتجمع ومنطلق للتظاهرات التي أسقطت أكثر من حكومة زمن الملك الراحل «بهوميبول أدولياديت».
ومن الأمور الأخرى التي تطرق لها أن حزب الشعب يعد نفسه وأنصاره بتأن من أجل الفوز في انتخابات عام 2027، وأن أي فوز له وقتذاك دون تسليمه قيادة البلاد سوف يفجر الأوضاع.