كان الثلاثون من سبتمبر 2024 هو آخر عهد المملكة المتحدة بتوليد الكهرباء اعتماداً على الفحم، ففي ذلك اليوم جرى إغلاق آخر محطة تعتمد على الفحم في توليد الطاقة.
المحطة اسمها «راتكليف أون سور» وهي حسبما ذكرت وكالة «بي إيه ميديا» كانت تعمل منذ عام 1968، وكانت قادرة على تزويد مليوني منزل بالكهرباء، وبإغلاقها تنتهي مسيرة طولها 142 عاماً قطعتها بريطانيا في توليد الطاقة بالوقود الأحفوري.
أما آخر محطة جرى إغلاقها قبل المحطة الأخيرة فهي محطة «كيلروت» في أيرلندا الشمالية إحدى المقاطعات الإنجليزية الأربع، والتي جرى إغلاقها في سبتمبر من السنة الماضية. وإذا كانت آخر محطة قد أغلقت في ختام سبتمبر من هذه السنة، بينما سبقتها المحطة الأخرى بسنة كاملة، فهذا معناه أن الإنجليز كانوا قد وضعوا خطة للموضوع، وأنهم لم يكونوا يمشون فيه خبط عشواء، وإنما وفق جدول زمني له أول، وله آخر.
وإذا كانت بريطانيا واحدة في قائمة الدول الصناعية السبع، التي تضم معها الولايات المتحدة الأمريكية، وكندا، واليابان، وفرنسا، وإيطاليا، وألمانيا، فالأمل أن يكون هذا النهج البريطاني في التعامل مع الطاقة المعتمدة في توليدها على الوقود الأحفوري نهجاً عاماً في بقية الدول في القائمة نفسها.
ذلك أن الهدف الأول من التخلي عن استخدام الوقود الأحفوري في توليد الطاقة هو خفض نسبة التلوث في سماء العالم، ومن المفهوم أنه لا توجد دولة تتسبب في هذا التلوث بقدر ما تتسبب فيه كل دولة صناعية، فما بالنا إذا كانت هذه الدولة واحدة من الدول السبع، أي الدول الأكثر تصنيعاً في العالم؟
ولو كان التلوث الناتج عن التصنيع يضر أهل البلد نفسه وفقط ما كانت هناك مشكلة، ولكن المشكلة تنشأ عندما نعرف أن ما تفرزه أي دولة من تلوث لا يتسبب في الأذى لأهلها وحدهم، ولكنه يتوزع بالعدل على سكان العالم دون استثناء!
ومن شدة ما يؤذي التلوث صحة الناس حول العالم فإن قمة عالمية للمناخ صارت تنعقد سنوياً، وصارت تتنقل من دولة إلى دولة في كل دورة انعقاد، لعل الإحساس بخطر المسألة يصل إلى كل عاصمة.
كانت القمة الماضية في إكسبو، وكانت القمة قبل الماضية في شرم الشيخ، وفي كل قمة منهما، ثم في كل قمة لاحقة بهما سوف يزداد وعي الناس بخطورة أن يظل الهواء يتلوث، وألا تنتبه الحكومات إلى عواقب ذلك على صحة رعاياها، وأيضاً على صحة رعايا كل حكومة أخرى.
فالقضية أصبحت قضية إنسانية في المقام الأول، بقدر ما هي قضية دولية لا تعاني منها منطقة دون منطقة، ولا تتأثر بها دولة دون دولة، ولكن الكل سواء في العواقب إذا فاتهم أن يكونوا سواء في أن يكونوا سبباً من بين الأسباب، التي تنشأ عنها الظاهرة.
والمشكلة أن وعي الأفراد لا يكفي وإن كان مهماً، لأنه لا بد إلى جواره من وعي الحكومات التي تملك القرار في النهاية، ويمكنها أن تتصرف بدافع من وعيها كما حدث مع الحكومة البريطانية في عاصمة الضباب.
وهذا لا يقلل طبعاً من وعي الفرد ولا من تأثيره، لأن وعيه يظل بمثابة أداة ضغط على حكومته حتى تراعي ما يحقق صالح صحة مواطنيها، إذا لم يكن يهمها صحة الإنسان في العموم كإنسان. ولذلك فإن الإعلام يقع عليه دور مهم، ودوره ينحصر في تكثيف وعي الأفراد بخطورة بقاء معدل التلوث في العالم على ما هو عليه الآن، فإذا وَعَى الفرد ذلك فهو كفيل بممارسة الضغط على حكومته، ثم مواصلة الضغط عليها حتى يكون هناك إجراء شبيه بالإجراء الإنجليزي.
وبالتالي لم يعد هناك عذر للحكومات التي تتخلف عن هذا الركب، فهي إذا لم تكن تعرف الشمس، وإذا كانت من دول الشمال التي لا تعرف الشمس إلا قليلاً، فسوف تتوفر لها الرياح كما تحب وتشاء، ولن يكون لها عذر في النهاية.
القصة تبدأ من وعي الفرد، وخصوصاً في الدول التي يؤثر فيها الوعي العام على صناعة القرار، ولا شك في أن الدول السبع تأتي في المقدمة من هذه الدول.