للزراعة دور محوري كبير في الحضارة الإنسانية، منذ فجرها الأول، فقد كانت حجر أساس لبناء المدن والحضارات، وتوفير الغذاء المستدام الذي مكن الإنسان من الاستقرار والتطور، فمع الثورة الزراعية بدأ الإنسان في زراعة المحاصيل وتدجين الحيوانات، وهو ما أسهم بطبيعة الحال إلى الانتقال إلى أنماط معيشية جديدة أكثر أماناً واستقراراً، وتطوير المهارات والتقنيات اللازمة لذلك.

كما أسهم في نمو السكان نتيجة توفر مصادر آمنة للغذاء، ولذلك قال المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه: «أعطوني زراعة أعطيكم حضارة».

وقد كرس الشيخ زايد، طيب الله ثراه، ثقافة الزراعة في هذا الوطن المعطاء، واهتم بها اهتماماً كبيراً، فزرع الصحراء بنباتات عديدة مثل الغاف والسمر والسلم والرمث وغيرها، وزرع البحر بأشجار القرم التي تقاوم الملوحة، وجرب أنواعاً أخرى كثيرة.

وعمل على الاستفادة من خبرات الدول الأخرى لاستزراع نباتات وأشجار جديدة تناسب البيئة المحلية، وعلى الرغم من وجود تحديات عدة واجهته مثل ندرة المياه وملوحة التربة والظروف البيئية الصعبة وغير ذلك فقد تصدى لها بكل حنكة وعزيمة وإصرار، لإيمانه العميق بأهمية الزراعة وقدرته الكبيرة على النجاح، حتى أصبحت التجربة الإماراتية في الزراعة تجربة رائدة ومميزة.

وفي ذلك قال الشيخ زايد، طيب الله ثراه: «إن بعض خبراء الزراعة قالوا لنا في السابق: إن أرضنا لا تصلح للزراعة، ونصحونا بعدم المحاولة ولكننا حاولنا ونجحنا، الأمر الذي شجعنا على الانطلاق وتحقيق المزيد من النجاح، وأصبحت تجربتنا الزراعية رائدة».

واستمرت العناية بالزراعة في دولة الإمارات، وشهدت تطوراً كبيراً بحمد الله تعالى، حتى أضحت نشاطاً اقتصادياً وطنياً يعتمد على أحدث التقنيات، وفي مبادرة تعكس الاهتمام الكبير الذي توليه القيادة الحكيمة للقطاع الزراعي، أطلق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، البرنامج الوطني «ازرع الإمارات»، وذلك استكمالاً لمسيرة المؤسس الوالد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي جعل من الزراعة ركيزة أساسية للتنمية المستدامة في الدولة.

ودعا سموه الجميع للمشاركة في هذا المشروع الوطني عبر الأفكار والمشاريع والمبادرات، ونشر ثقافة الزراعة، لما في ذلك من الخير العميم على أجيال الحاضر والمستقبل، وما أجمل أن يشارك كل أحد في هذا المشروع الوطني الذي يعود بالنفع على اقتصادنا، ويحافظ على بيئتنا، ويضمن استدامة مواردنا الطبيعية، ويقوي أواصر مجتمعنا، ويترك إرثاً أخضر يستفيد منه أبناؤنا وأحفادنا.

وقد اهتم الإسلام اهتماماً كبيراً بالزراعة واستثمار الأرض فيها، واعتبر ذلك من أفضل الأعمال والقربات التي تزيد المسلم أجراً وثواباً، لما له من ثمرات تعود على الفرد والمجتمع والدولة، وفي هذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من كانت له أرض فليزرعها».

وفي ذلك حث على الانتفاع بالأرض، وبالأخص في زراعتها، وعدم تركها دون انتفاع، لما في ذلك من إضاعة المال وعدم استثمار الموارد بالشكل الأمثل، وقال عليه الصلاة والسلام: «ما من مسلم يغرس غرساً، أو يزرع زرعاً، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة، إلا كان له به صدقة».

وفي هذا الحديث ترغيب في الزراعة والغرس، ودليل على حصول الأجر والثواب للغارس والزارع وإن لم يقصدا ذلك، ولذلك اعتبر بعض العلماء أن الزراعة أفضل المكاسب، بل قال عليه الصلاة والسلام مؤكداً ذلك: «إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل».

ولا يختص حصول الأجر بمن باشر الغرس والزراعة بنفسه، بل يشمل كل من كان له دور في ذلك وتسبب فيه بأي وجه كان، ومن ذلك المساهمة بالأفكار والمقترحات البناءة التي تفيد في هذا المجال، وإطلاق المبادرات المتنوعة التي ترسخ ثقافة الزراعة وتشجع عليها، وإطلاق المشاريع التي تنمي الزراعة وتطورها، وخاصة عبر البرنامج الوطني «ازرع الإمارات».

إن الاهتمام بالزراعة إرث وطني وشرعي أصيل، متجذر في أعماق الحضارة والتاريخ، وهو يشكل ركيزة أساسية للتنمية المستدامة، وبناء مستقبل مزهر مشرق للأجيال القادمة.

كاتب إماراتي