يعد التكيف أيضاً إحدى (العمليات الاجتماعية) الرئيسية التي تتحكم في حياة الأفراد والمجتمعات عبر الزمان والمكان، شأنها شأن عمليات التعاون والتنافس والصراع .. التي يضطلع بدراستها علمُ الاجتماع العام، والتكيف له معنى بيولوجي ونفسي واجتماعي، ويهمنا هنا مفهومُه الاجتماعي الذي يعني نجاحَ المرء في مُسايرة الظروف الاجتماعية والثقافية المحيطة به والتأقلمِ معها، ويبلغ التكيفُ أقصاه في عملية (التوافق ) حيث يصبح المرءُ متوافقاً مع ثقافة وتراث مجتمعه، متقبلا لمعطياتها، ومتحمساً لها ومعتزاً بانتمائه إليها.

وتزداد أهمية التكيف في الفترات التي تشهد تحولات ثقافية واجتماعية حادة وسريعة في فترة زمنية قصيرة نسبياً في عمر الأمم، مثلما حدث في عموم الدول الخليجية المنتجة والمصدرة للنفط، ومنها دولة الإمارات العربية المتحدة.

إن المواءمة الضرورية بين التراث والمعاصرة اقتضت تنفيذَ خطة ذات شقين هما: أولاً، تَكيِيف العناصر التراثية لتُلائم الحياة المعاصرة، من خلال عمليتي الحذف والتعديل في السمات الثقافية والاجتماعية ، بما لا يمس جوهرَها الأصيل. ثانياً، تكيُّف الأفراد مع ثوابت التراث الثقافي والاجتماعي الأصيلة. وكلتاهما عمليتان مستمرتان لا تقفان عند حد ، بسبب التغيُّر الاجتماعي المستمر والمُتسارع.

ومن الجدير بالذكر أن بعضَ النظم الثقافية الاجتماعية قد تلاشت تلقائياً عبر عقود الزمن نتيجةَ انتهاء الأهداف التي أنشئت لتلبيتها، بينما اضطلعت الحكوماتُ والمؤسساتُ بإحداث التغيير في النظم الباقية بشكلٍ مقصود ومدروس ومُمَنهج لمسايرة متطلبات المرحلة التي يمر بها المجتمع، وبمايخدم مصالحَ السكان من مواطنين ومقيمين.

كما أن التغير التلقائي الناتج عن الاحتكاك الثقافي مع شعوب العالم عبر قنوات كثيرة قد ترك بصماته الواضحةَ على كثير من السمات الثقافية والاجتماعية، في الغذاء واللباس ونمط المساكن ووسائل الترفيه واللهجة المحلية والأدب الشعبي والفنون الشعبية، إضافة إلى ما طال منظومةَ القيم والعادات والتقاليد من تطورات ملحوظة لايمكن الوقوفُ في وجهها.. ولا شك في أن نجاح الشعب في التكيف والتوافق مع المتغيرات العالمية المتلاحقة يُعد مؤشراً هاماً على مرونة المجتمع وقابليته للتطور باستمرار.