Al Bayan

إيشيبا يستعد لقيادة يابان جديدة

في 27 سبتمبر الفائت جرت في طوكيو معركة حامية الوطيس للفوز بزعامة الحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكم في اليابان بين «شيجيرو إيشيبا» وزير الدفاع الأسبق والسياسي اليميني المتشدد «ساناي تاكايشي».

أسفرت الجولة الأولى عن حلول إيشيبا في المركز الثاني، لكن الأخير هزم منافسه في الجولة الثانية، ليصبح زعيماً للحزب الذي حكم اليابان طوال السنوات التي أعقبت الحرب العالمية الثانية باستثناء فترات قصيرة.

وعلى الفور قرر الحزب الدعوة إلى إجراء انتخابات عامة في 27 أكتوبر الجاري أي قبل موعدها المقرر بنحو عام، وقبل الانتخابات الأمريكية بشهر.

وكما هو معروف فإن زعيم هذا الحزب سوف يتولى قيادة اليابان تلقائياً خلفاً لزعيمها الحالي المنتهية ولايته «فوميو كيشيدا» إذا ما فاز في الانتخابات العامة، وهو فوز ترجحه معظم الاستطلاعات، على الرغم من الأداء الضعيف لكيشيدا خلال السنتين الماضيتين منذ توليه رئاسة الحكومة في 4 أكتوبر 2021 ورئاسة الحزب الحاكم في 29 سبتمبر من العام نفسه.

يتمتع إيشيبا البالغ من العمر 67 بثقل سياسي وبمهابة وقدر كبير من الجدية والعقل الراجح، لذا يعتقد أنه سيقود اليابان بروية ودون انجراف نحو السياسات المتهورة، ولعل أول الملفات التي سيعالجها هو الملف الأمني (شاملاً الأمن السياسي والأمن الاقتصادي والأمن التكنولوجي وأمن سلاسل التوريد)، وكيفية إنشاء منظومة أمنية جماعية في المنطقة، انطلاقاً مما يهدد المنطقة من تحديات جيوسياسية في ظل سياسات التوسع والهيمنة التي ينتهجها العملاق الصيني، لا سيما في هذا الوقت الذي تتراجع فيه قوة وتأثير الالتزامات الأمريكية بأمن منطقة غرب المحيط الهادئ.


أما ما يؤكد كلامنا فهو تصريحات إيشيبا لوسائل الإعلام، والتي قال فيها ما مفاده ضرورة التفكير في الجمع بين العديد من التحالفات القائمة، وبما تستطيع اليابان معها من حماية نفسها وسيادتها ومصالحها وهكذا فإن إيشيبا لا يختلف عن كيشيدا في هذا الأمر؛ لأن الأخير لطالما دعا إلى علاقات أمنية وطيدة مع «الديمقراطيات الشقيقة» على حد وصفه.

لكن إيشيبا يرى أيضاً أن السلام في مضيق تايوان يتطلب قدراً أكبر من الردع ضد الصين، وأن النموذج الأوكراني قد يتكرر غداً في شرق آسيا، وهو ما يتطلب، طبقاً له، تأسيس حلف شمال أطلسي آسيوي.

والمعروف أن الولايات المتحدة ومعها كوريا الجنوبية عارضتا قيام ناتو آسيوي، وفضلتا التعاون الأمني والعسكري الثنائي بين اليابان وكل من الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية وأستراليا والهند والاتحاد الأوروبي وتكتل آسيان.

ويمكن القول إن إيشيبا الذي لم يتخرج في جامعة أمريكية وعمل في المجال المصرفي قبل دخول المعترك السياسي، خلافاً للعديد من زملائه الحزبيين، والذي لا يتحدث الإنجليزية بطلاقة مثلهم، يبدو مستاء من ميل واشنطن في الفترة الأخيرة نحو التهديد وفرض الصفقات حتى على حلفائها سواء اليابان أو دول حلف الناتو، لذا نراه يدعو إلى معالجة هذه الأمور ومناقشتها بجدية وصراحة مع الحليف الأمريكي.
لكن ما هو موقف بكين من القادم الجديد لقيادة اليابان؟

على الرغم من أن الحكومة الصينية تحاشت التعليق على انتخابه باعتباره شأناً داخلياً يابانياً، إلا أنها أعربت عن رغبتها بالعمل معه من أجل إقامة علاقات وطيدة ومستقرة.

أما صحيفة غلوبال تايمز الصينية الناطقة بالإنجليزية فقد أشار معلقوها إلى أن إيشيبا، لئن كان سياسياً محافظاً يدعو إلى احتواء قدرات الصين العسكرية إلا أنه في الوقت نفسه سياسي أكثر توازناً واعتدالاً من أسلافه، وميال للانخراط في حوار دفاعي مع الصين لبناء الثقة وتبديد الشكوك.

الملف الثاني الذي سيجده إيشيبا أمامه هو الأوضاع الداخلية الخاصة بتحسين الأداء الاقتصادي والتنمية الاقتصادية، ومعالجة الانحدار الديموغرافي، وترسيخ الشفافية ومحاربة الفساد.

وطبقاً للعديد من المراقبين، فإن الرجل قادر على إحداث نوع من التغيير، دون الإخلال بالتوازن بين التغيير والاستمرار في سياسات سلفه، والذي من دونه سوف يختل الاستقرار.

ذلك أن زعيم اليابان الجديد يأتي إلى السلطة وقد راكم ثروة من الخبرات التي استمدها من عمله وزيراً للدفاع، ومن قبله وزيراً للزراعة والغابات ومصايد الأسماك.

ووزيراً مسؤولاً عن الانخفاض السكاني وتنشيط الاقتصاد، ورئيساً لمجلس أبحاث السياسات في الحزب الليبرالي الديمقراطي، وأميناً عاماً للحزب، ناهيك عن عمله البرلماني منذ 1986 على مدى 12 دورة نائباً عن محافظة «توتوري» الريفية الواقعة على الساحل الغربي لبحر اليابان.

أما ما يعزز ذلك في نظر الفرد الياباني فهو سمعته كسياسي نظيف وملتزم بالشفافية قولاً وفعلاً، ولم تلوثه قط الفضائح المالية التي قوضت الدعم الذي حظيت به إدارة سلفه كيشيدا.

إن هذه العوامل مجتمعة تدعم إيشيبا في سعيه لإحداث تغييرات كبيرة في السياسات الداخلية، والتغلب على تحدياتها العميقة مثل التضخم ومعاشات التقاعد والإصلاح الضريبي والشيخوخة ونقص العمالة، دون المساس كثيراً بالعلاقات الخارجية والاستراتيجيات الاقتصادية الكبرى التي رسمها سلفه ونجح فيها، لا سيما فيما يتعلق بتقوية الروابط مع كانبيرا وسيئول وجاكرتا ونيودلهي والاتحاد الأوروبي والحذر من موسكو والتصدي لبكين.

*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي