منذ نشأة هذه الدولة السعيدة الزاهرة، دولة الإمارات العربية المتحدة، وهي محظوظةٌ بالقادة المُعلّمين الكبار الذين يحملون في قلوبهم جذوة لا تنطفئ من حب العطاء للوطن وأبنائه، وها هو صاحب السموّ الشيخ محمّد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبيّ، رعاه الله، ما زال على عهد القادة المؤسسين الكبار، الذين جسّدوا أروع صور الصبر والعمل الدؤوب.
ضمن ظروف محفوفة بقدر كبير من المخاطر والتحديات، ولولا ما كان يشتعل في قلوبهم من نار الحماسة وجمر التحدي، لما وصلت الإمارات إلى ما وصلت إليه، عبر مسيرتها الحضارية المتميزة، وإنّ استلهام سيرتهم والاقتداء بعزيمتهم، هو واحد من مصادر الإبداع والإنجاز الفريد في وطننا الحبيب، لتظلّ مسيرة هذه الدولة سلسلة متصلة الحلقات، يشدّ بعضها بعضاً، ولا تزداد على مرور الأيام إلا قوة ومتانة وأصالة.
في هذا السياق من التواصل الرائع بين القيادة والشعب، ما زال صاحب السموّ الشيخ محمّد بن راشد، يُتحف قُرّاءه ومتابعي مواقعه بالكلمات الثمينة، والتغريدات التي تستحق أن تكون جزءاً من الوجدان الثقافي لأبناء هذا الوطن الطيب المعطاء، فهو لا يفتأ يطالعنا بين الحين والآخر، بنوع خاص من التغريدات، من خلال وَسْمِه المتميز «علّمتني الحياة».
حيث يكتب خبرته ومواقفه، ويقصّ شيئاً من سيرة المؤسّسين العظماء، الذين قدّموا كلّ شيء في سبيل بناء هذا الوطن الغالي المجيد، وها هو صاحب السموّ ينشر تغريدة ثمينة، تجمع بين المادة المكتوبة والمادة الصوتية التي تعزّز المحتوى المكتوب، وهي تغريدة قصيرة، لكنّها مكثّفة الكلمات، فخمة الدلالات، تبعث في القلب والروح نمطاً خاصاً من العزيمة والرغبة في مواجهة التحديات، حيث قال صاحب السموّ:
«علمتني الحياة: لا يوجد مشروع بدون مخاطرة، ولا مسيرة بدون تحديات، وعلى قدر التحدّي يكْبُر العظماء»، حيث يقرّر صاحب السموّ الشيخ محمّد بن راشد، ومن وحي خبرته الخاصة، أنّه لا يمكن أن يوجد مشروعٌ يستحق اسم المشروع، وينطوي على قدرٍ من المغامرة، ويُرجى من ورائه الكثير الكثير من النفع للصالح العام، بدون أن يكون مشتملاً على قدر كبير من المخاطرة، فالدول القويّة لا تنهض على المشروعات الصغيرة السهلة، والتي تكون في متناول اليد، لكنّها تنهض بكل قوّة وبسالة، حين تفكّر بما يشبه المستحيل، وتنفذ بصيرة القائد إلى ما وراء المنظور.
فحينئذٍ يظهر صاحب البصيرة القوية، والعزيمة الماضية، والقلب الجسور، وتظهر الفروق الجوهرية بين قائد وقائد، وهكذا الشأن في كل مسيرة تبحث عن نهضة شاملة للوطن، لا بُدّ أن تكون محفوفة بالتحديات والعقبات، لكنّ هذه التحديات لا تفتّ في عضد القادة الكبار، بل إذا كانت كبيرة، واجهها هؤلاء القادة بالهمّة العظيمة، وروّضوا شامسها، وجعلوها في سياق الممكن، الذي سيكون جزءاً من تجربة الحياة، وثمرة ناضجة على شجرة الإنجاز في حديقة الوطن.
وتأكيداً على المحتوى الأخلاقي الثمين لهذه التغريدة، نشر صاحب السموّ الشيخ محمّد بن راشد، تسجيلاً بصوته، استذكر فيه همم القائدين الكبيرين، المغفور لهما الشيخين: زايد بن سلطان آل نهيان، وراشد بن سعيد آل مكتوم، اللذين كانا نموذجاً في الصلابة ومواجهة التحدّيات.
حيث قال: «زايد وراشد، طيّب الله ثراهم، ما في تحدّي وقفوا له، لكن إذا شافوا التحدي كَبَر يَكْبُرون هُمْ»، ففي هذه الكلمات الرائعة، تذكير بنماذج عملية حاضرة في القلب والوجدان، تجسّدت في المسيرة المدهشة في مسيرة هؤلاء القادة الكبار، الذين أصرّوا منذ نشأة الدولة على عدم الركون إلى الترهّل والكسل والرضا بالدُّون، بل وضعوا نُصب أعينهم طلب المعالي.
والبلوغ بالوطن إلى أعلى الذُّرى، مهما كانت الصعوبات والتكاليف والتحديات، فكانت تلك القيادة نموذجاً في الصلابة والجسارة وصنع المستحيل، وها هي شواهد الصدق ماثلة للعيان أمام كلّ ناظر، وتشهد بما كان عليه هذان الفارسان من عمق النظر وصلابة الموقف، ومواجهة التحدّيات الكبيرة بعزيمة أكبر، وتصميم لا يعرف التردد ولا التراجع ولا النكوص.
«ما في مشروع بدون مخاطرة، فهل نحن نتوقف لأنّ فيه مخاطرة؟»، وبهذه النبرة الواثقة الجازمة، يؤكّد صاحب السموّ الشيخ محمّد بن راشد، على ما كان قد كتبه في التغريدة، وأنّ المخاطر هي جزء من طبيعة الحياة، فهل من المقبول أن تتوقف عجلة الحياة والتنمية والإنتاج، لمجرد هواجس الخوف والقلق من وجود المخاطر؟ هذا شيء مستحيل في قاموس صاحب السموّ الشيخ محمّد بن راشد، عبر مسيرته الطويلة المظفّرة في الحكم والإدارة.
«كان طموح الشيخ زايد من الصحراء إلى الفضاء، كان يدعو روّاد الفضاء إلى أبوظبي، ويسألهم بعض الأسئلة، والحمد لله، وصلنا إلى الفضاء، ووصلنا بين النجوم، بالرغم أنّ البعض قالوا هذا مستحيل»، ولكي لا تبقى الفكرة في إطار المثاليّات، يستنهض صاحب السموّ الشيخ محمّد بن راشد الذاكرة القريبة والبعيدة.
فيستذكر كيف كان طموح الشيخ زايد بن سلطان، رحمه الله، هو الوصول إلى الفضاء، والدخول في قلب العصر، وكيف أنّ ذلك الفارس الطالع من قلب الصحراء، كان يستدعي رواد الفضاء الأجانب، ويسألهم بعض الأسئلة، كي تظلّ عزيمته قوية في تحقيق ذلك الحلم، وهو الحلم الذي حقّقه هؤلاء الفرسان، الذين وضع الشيخ زايد الوطن وأحلام الوطن أمانة في أعناقهم، فما خيّبوا له ظنّاً.
ولا قعدوا عن تحقيق طموحاته الكبيرة، فغدت دولة الإمارات واحدة من الدول التي دخلت النادي الفضائي، وسافر شبابها على متن أعظم الإنجازات البشرية، المتمثلة في المحطة الفضائية الدولية، فتحقّق المستحيل، الذي كان يظنه البعض عَصيّاً على التحقّق والإنجاز، لكنّ الهمة العالية لا تعرف المستحيل، وتعشق التحديات، وتجد اللذّة الكبرى في ضخامة التحدّيات.
«تقدر على التحدّي باليسار أو باليمين، ولكنك إذا أنت متفائل، تحلّ كل مشاكل التحديات»، ثمّ كانت هذه الخاتمة الرائعة، التي لا تسمح بوجود الأعذار داخل عملية صناعة الحياة، فالتحدّيات إذا جاءت من جميع الجهات، فإنّ القلب القوي والعزيمة النافذة والروح المتفائلة، تستطيع ترويض جميع الصعوبات، وتجاوز كلّ التحديات، لأنّ امتلاك مثل هذه الروح، هو صمام الأمان، وهو الجذوة التي تبقى مشتعلة بين حنايا القلب الذي يقتحم الحياة، ويكتب أجمل الحكايات في مسيرة الوطن، وبنائه الشامخ الجميل.