كنا في هذه المساحة قبل أسابيع قليلة قد نشرنا مقالاً بعنوان «إقليم ككل الأقاليم ودولة ليست ككل الدول»، تناولنا فيه أبعاد ومخاطر تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبعدها بيوم واحد من تل أبيب، وقال فيها:

«لا يوجد مكان في إيران أو الشرق الأوسط لن تصل إليه ذراع إسرائيل الطويلة، واليوم أنتم تعرفون بالفعل مدى صحة ذلك». وقد حاولنا في المقال إيضاح مدى التأثيرات السلبية الخطيرة لهذه التصريحات ومعها التحركات العملية الإسرائيلية، على الأمن والاستقرار ليس فقط في إقليم الشرق الأوسط، بل وربما في العالم كله.

ونعود في السطور الحالية لتحليل جانب آخر من تلك التصريحات ومدى واقعيتها وقدرة من أطلقها على تطبيقها واقعياً، وذلك بتحليل مقارن لمقدرات الدول الرئيسية في مختلف قارات العالم وأقاليمه.

فمن الواضح، أن كلها يشهد حالات متنوعة من الخلافات متعددة الجوانب، إلا أن أياً منها لم يشهد قط طوال العقود السابقة وحتى اليوم أي هيمنة كاملة من إحدى دولها على بقية دول القارة أو الإقليم، بتلك المعاني التي يقصدها وصرح بها رئيس الوزراء الإسرائيلي.

فإذا ذهبنا إلى القارة الآسيوية وبالتحديد إقليمها الجنوبي الشرقي، نجد أن الصين بالمعايير الجغرافية والسكانية والاقتصادية والعسكرية هي الأكبر على الإطلاق، فمساحتها تبلغ نحو 9.6 ملايين كيلومتر مربع، وهي بهذا رابع أكبر دول العالم، ويبلغ عدد سكانها حوالي 1.4 مليار نسمة وثاني أكثر دول العالم سكاناً، وكذلك فهي القوة الاقتصادية الثانية الأكبر عالمياً وتنافس بقوة على المركز الأول.

وإذا ذهبنا إلى شمال غرب الكرة الأرضية، حيث أمريكا الشمالية، فإن الولايات المتحدة هي ثالث دول العالم مساحة بنحو 9.82 ملايين كيلومتر مربع، وبعدد سكان يجاوز 330 مليون نسمة يضعها أيضاً في نفس الترتيب عالمياً، وهو ما يضاف إليه قدراتها العسكرية والاقتصادية والسياسية الهائلة والتي تجعل منها حتى اليوم القوة العظمى الأولى في العالم.

وفي قارة أمريكا الجنوبية، تعد البرازيل هي أكبر دولها من حيث المساحة وعدد السكان، فهي تمتد على أكثر من 8.5 ملايين كيلومتر مربع محتلة الترتيب الخامس عالمياً، ويسكنها قرابة 220 مليون شخص بما يضعها في المرتبة السابعة عالمياً.

وتشغل أيضاً ترتيب تاسع أقوى اقتصادات العالم. وإذا عدنا مرة أخرى إلى شمال شرق العالم، حيث روسيا، فهي من حيث المساحة البلد الأكبر في العالم بما يزيد على 17 مليون كيلومتر مربع، وهي كذلك تاسع أكبر دول من حيث عدد السكان عالمياً بما يقارب 145 مليون نسمة.

ولديها قدر هائل من الموارد الطبيعية والقوة العسكرية، بما يجعلها القوة العظمى الأكبر منافسة على الصعيد الاستراتيجي للولايات المتحدة.

ويظل الثابت فيما يخص كل هذه المجموعة من كبرى دول العالم في القارات والأقاليم وعلاقاتها ببقية الدول المجاورة، هو ما أكدناه في مقالنا السابق الإشارة إليه، وهو أنه لا توجد منها واحدة في حالة صراع مستمر مع جيرانها، ولم يسبق لأيها أن هددت إقليمها أو قارتها بفرض سيطرتها عليها.

وإذا وضعنا ما سبق إيراده من مقومات كل من هذه الدول الكبرى في إطار مقارن مع إسرائيل التي خرجت عن رئيس وزرائها التصريحات الخاصة بإقليم الشرق الأوسط، الذي نذكر بأن عدد دوله هو 17 دولة ومساحته تزيد على 7 ملايين كيلومتر مربع ويقارب سكانه نحو 450 مليون نسمة، فإن الأرقام وحدها ستكون كافية لاستنتاج الخلاصات المنطقية.

فمساحة إسرائيل تبلغ بالضبط 20770 كيلومتراً مربعاً، تمثل 78% من مساحة فلسطين التاريخية، والباقي يضم الضفة الغربية وقطاع غزة. ويقارب العدد الحالي لسكان إسرائيل نحو 10 ملايين نسمة بينهم ما يزيد على 20% من العرب، بحسب بيانات دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية لعام 2023.

وتحتل إسرائيل المكانة 33 في ترتيب دول العالم اقتصادياً، بينما يضعها التصنيف العالمي لأقوى دول العالم عسكرياً في المرتبة رقم 17، وتسبقها دول ثلاث من المنطقة هي تركيا وإيران ومصر.

تلك هي التصريحات، وهذه هي المعطيات المقارنة عالمياً، ويظل استنتاج الخلاصات ملكاً للقراء الكرام وحدهم.

باحث وكاتب والرئيس الفخري لاتحاد الصحفيين العرب