الثوب الذي يفصّله الخياط دائماً أكثر ملاءمة من الثوب الجاهز، والأمر ذاته ينطبق على التعليم. تطرقنا في المقالات السابقة إلى التحديات والمخاوف التي يطرحها أمام المهتمين بالتعليم الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته واستخداماته، والآن دعونا نلقي نظرة على الفوائد والمنافع والفرص التي يأتي بها الذكاء الاصطناعي إلى طاولة التعليم.

واحدة من أهم مزايا الذكاء الاصطناعي في التعليم هي القدرات الفريدة التي يأتي بها لتفريد وتخصيص التعليم، فمن المعلوم للجميع أن المنهج التقليدي في التعليم الذي يوسم بعبارة «مقاس واحد يناسب الجميع»، بمعنى «نفس أسلوب التعليم للجميع» يعجز عن تلبية الاحتياجات والمتطلبات المتنوعة للمتعلمين، ولا يأخذ بالاعتبار على الإطلاق الفروق المؤكدة في قدرات وأساليب تعلم وتقدم الطلاب في عملية التعليم.

من هنا نرى أن الذكاء الاصطناعي يوفر قدرات على إحداث تغييرات جذرية وعميقة في مشهد التعليم، من خلال المضي بمفهوم التعليم التكيفي إلى أقصى مدى، لا سيما مع امتلاك المعلمين والمدرسين القدرات التي لم تكن متوفرة من ذي قبل في التحديد الدقيق والمدروس لنقاط القوة والضعف لدى الطلاب والدارسين، بشكل لا يمكن لأي أسلوب تعليم معروف ادعاءه.

يمكن لخوارزميات الذكاء الاصطناعي تحليل مجموعات البيانات الضخمة لتحديد احتياجات الطلاب الفردية وأساليب التعلم ونقاط التميز والضعف، ويمكن جمع هذه البيانات من مصادر مختلفة، بما في ذلك أداء الطلاب في الامتحانات وسواها من عمليات التقييم، فضلاً عن دراسة أساليب ونماذج التفاعل مع منصات التعلم، وحتى التحديد الدقيق لأنماط مشاركة الطلاب أثناء المحاضرات.

بتوفر هذه المعلومات القيمة والثرية والوفيرة، يمكن بعد ذلك استخدامها لإنشاء مسارات تعليمية مخصصة، وتقديم ملاحظات مخصصة، والتوصية بمصادر وموارد التعلم الأكثر ملاءمة ومناسبة لكل طالب على حدة.

ويمكن لنظام التدريس الذي يعمل بنظام الذكاء الاصطناعي تحديد المجالات التي لا يؤدي فيها الطالب الأداء المطلوب، وبالتالي إنشاء مشكلات دراسية مخصصة ومقاطع فيديو تعليمية لمعالجة جوانب القصور في أداء الطلاب.

وبالمثل، يمكن لمنصة التعلم التي تدعم الذكاء الاصطناعي أن تقدم التوصيات بالكتب أو المقالات أو مقاطع الفيديو التي تتوافق مع اهتمامات الطالب وأهدافه التعليمية، وهذه إجراءات ثبتت فاعليتها في الكثير من المنصات العالمية، حتى تلك التي لا علاقة لها بالتعليم.

بهذا المستوى من التخصيص تمتلك مؤسسات التعليم القدرات الفائقة على تحسين نتائج الطلاب بشكل كبير. وعندما يتم تزويد الطلاب بمواد وأنشطة تعليمية مصممة خصيصاً لاحتياجاتهم الفردية.

فمن المرجح أن يدفعهم ذلك إلى المشاركة والتفاعل والإقبال على الدراسة على نحو لم يكن ممكناً دون هذه الإمكانات، ويمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي أيضاً في تحقيق تكافؤ الفرص من خلال تزويد الطلاب الأقل أداءً بموارد ومصادر دعم ومساندة تعليمية إضافية، في حين أن الطلاب الأعلى أداءً تخصص لهم مواد ومصادر تعليمية أعلى مستوى.

وهكذا نرى أن الذكاء الاصطناعي في التعليم له من القدرات ما لم نعرفه من قبل من حيث المساعدة في تكييف وتخصيص وتفريد أساليب ونماذج التعلم، وهذه المزايا الفريدة ستؤدي إلى قفزات واسعة في أداء الطلاب، وتوفر الكثير من الوقت بالنسبة لكل المعنيين بعملية التعليم.