عنوان المقالة يتيح المجال للحديث عن أحد أبرز ما تتسم به الحياة السياسية في عراق اليوم، وهو عزوف غالبية مواطنيه عن الاشتراك فيها عبر عزوفهم عن الاشتراك في الانتخابات النيابية. إذ لم يتجاوز نسبة المشاركين في آخرها عام 2021 العشرين في المائة، وهو من غير شك موقف يتسم بالسلبية تترتب عليه تداعيات قد يكون بعضها خطيراً يلحق الضرر بمن أسهم في مقاطعتها. فهذه الانتخابات هي ما يجلب السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وبقية المؤسسات التي ترتبط بها إلى مواقع المسؤولية والتي ترسم مجتمعة معالم السياسات التي سيجري انتهاجها في شتى الشؤون ومنها ما يتعلق بصميم حياة الفرد وعائلته.

سلبية المواطن العراقي هذه ليست وليدة الحاضر، بل هي حصيلة سلوكيات موروثة على مدى عقود من الزمن اعتاد فيها أن يكون فيها متفرجاً وليس فاعلاً حقيقياً، ابتداء من العهد الملكي وانتهاء بآخر العهود الجمهورية التي أعقبته. وتعززت هذه السلبية بفعل مشاعر اليأس والإحباط التي تسللت إلى دخائله في السنوات العشرين التي مرت منذ التغيير في العام 2003 بسبب العجز عن مواجهة الفساد المستشري في جسد الدولة الذي يقف ضد الإصلاح، فالتمتع بحرية التعبير عن الرأي في شتى الشؤون وبشتى السبل المعمول بها في الأنظمة الديمقراطية ليس من الموروثات في الثقافة السياسية العراقية على الرغم مما نص عليه الدستور.

تفرض الحياة المعاصرة التي تزداد ثراء وتعقيداً على الجميع مشاركة فعالة وانشغالاً بقضاياها الصغيرة والكبيرة على حد سواء على مستوى ما يخص إشكاليات الحاضر وبما هو متوقع من إشكالات تتعلق بالمستقبل، بدءاً بما يرتبط بمصالح الفرد شخصياً وبما يرتبط بمصالح محيطه الأوسع الذي هو مجتمعه وخاصة حين تصبح مشاكل الفرد ومشاكل مجتمعه ظاهرة للعيان وغير قابلة للاستمرار وقابلة للإصلاح فقط عبر الوسائل التي نص عليها الدستور وعن طريق المجلس النيابي.

يختص المجلس النيابي بإصدار التشريعات أو تعديل ما هو قائم منها، وهناك صراعات دائمة تتصاعد في رحابه حول هذه أو تلك، ومنها قانون العفو العام وقانون الأحوال الشخصية، فالقانون الأول هو من ضمن البنود التي وضعها تحالف إدارة الدولة الذي تشكلت بموجبه حكومة السوداني كجزء من البرنامج الحكومي واجب التنفيذ هذا إضافة إلى بنود أخرى، أما ما يتعلق بقانون الأحوال الشخصية ومقترحات تعديله فلم يكن من ضمن هذه البنود.

لم يحظَ أي من القضايا التي طرحت أمام مجلس النواب في الماضي بما يحظى به قانون الأحوال الشخصية من جدل منذ أعلنت الدائرة الإعلامية في مجلس النواب في الرابع والعشرين من يوليو المنصرم اتفاق اللجنة القانونية النيابية ولجنة المرأة والأسرة والطفولة على عزمهما تقديم مقترح بتعديل قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959. التعديلات المقترحة أثارت موجة صراعات بين الكتل السياسية وانتقلت إلى الشارع لتشعل سجالات تتعلق بصميم وحدة المجتمع.

الجدل يتركز حول تعديل المادة 57 من القانون وفقاً لمدونة أحكام تعتمد على ما ورد من اجتهادات فقهية تتعلق بسن زواج الفتاة وحقوقها في حضانة الطفل والحصول على النفقة في حالة الطلاق وحقوقها في الميراث مما تراه النساء مسيئاً لواقعها الأسري الحالي وسلبها أبرز ما حصلت عليه من حقوق.

لسنا بصدد مقاربة هذا الموضوع الشائك من بوابة الجدل الفقهي والقانوني القائم، إذ لم يترك المختصون باباً أو نافذة للإطلال على حيثياته إلا وأشبعوها بحثاً وتمحيصاً، إلا أننا رغم ذلك لسنا بصدد الابتعاد عن مقاربته ولكن من نافذة أخرى.

في هذا السياق، نتطرق إلى الموضوع من زاوية أخرى ذات بعد سياسي، فالتعديل المقترح يكرس حضوراً طائفياً لا يخدم هدف رأب الشرخ في المجتمع، يكرس فرقة يعتاش عليها أمراء الطوائف الذين لا سلاح لديهم للحصول على مكانة سياسية ومجتمعية إلا من خلال تعزيز الفرقة بين مكونات الشعب وإضعاف قوته، فقوة أي شعب لا تقاس بقوة دولته أو قوة جيوشه بل تقاس بمتانة هيكله من الداخل وصعوبة إضعافه، تقاس بحجم ما هو مشترك بين مكوناته من روابط وبمدى قناعة هذه المكونات بما يتوافر لها من أمن وطمأنينة في أطرها وبما يتاح لها من فرص لضمان تحقيق مصالحها وبما يتوافر لها من حقوق وميزات لتطوير هذه المصالح.