الحوار الإعلامي مع وزير خارجية روسيا، سيرغي لافروف ليس أمراً عادياً -على الأقل بالنسبة للمهتمين - ليس فقط بما يحدث حالياً في النظام الدولي الذي يعيش مرحلة انتقالية من القطبية إلى التعددية وروسيا أحد اللاعبين الرئيسيين فيه بجانب الصين المنافس الأقوى للولايات المتحدة الأمريكية، وإنما فيما يستعد فيه العالم من مخرجات الانتخابات الأمريكية المقرر إجراؤها في 5 نوفمبر المقبل وبالتالي تداعياتها المقبلة على العديد من الملفات ومنها ملف الحرب الروسية ـ الأوكرانية.

تناول الحوار الذي انفردت به قناة «سكاي نيوز عربية» العديد من الملفات الدولية مع شخصية شغلت وزارة الخارجية الروسية لمدة 20 عاماً وتحمل فكراً سياسياً لدور روسيا في العالم يشابه فكر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وفي العديد من القضايا الدولية.

ما يعني أنه عاش العديد من التحولات الكبرى في العالم وفي منطقة الشرق الأوسط، منها الفوضى الخلاقة تلك الاستراتيجية التي صاغتها وزيرة الخارجية الأمريكية في عهد الرئيس بوش الابن كونداليزا رايس والقائمة على تصدير الديمقراطية بالنموذج الأمريكي إلى بقية العالم وكان يفترض أن يكون العراق النموذج في المنطقة.

في قضية حديثه عن الانتخابات الأمريكية هناك اعتباران أظنهما مهمين في متابعة مجرياتها. الاعتبار الأول: متعلق بمن يسكن البيت الأبيض عندما قال لافروف لا يهم من القادم الجديد فالسياسة الأمريكية تجاه العالم واحدة ولا يمكن أن تتغير خلال الفترة المنظورة، وبالتالي ما يصرح به الرئيس بوتين عن أمنياته لوصول كامالا هاريس لا يعدو أن يكون «مزحة» مع الإعلاميين.

بالنسبة لي إن هذا الكلام فيه قدر كبير من الصحة لأنه لا يمكن التعامل مع السياسيين في العالم بمنطق «التمني»؛ لأن هذا غير موجود فإذا كان البعض يفضل دونالد ترامب فهذا من باب المصلحة الشخصية، ولكن في نظام العلاقات بين الدول لا يوجد شيء من هذا وخاصة في دولة مثل الولايات المتحدة التي تدار من الدولة العميقة ومن المؤسسات التقليدية فهي أقوى من شخص الرئيس.

الاعتبار الثاني: متعلق بتصدير النموذج الأمريكي للعالم. فقد سرد لافروف حواراً دار بينه وبين كونداليزا رايس، حيث انتقدت الديمقراطية الروسية فكان رد لافروف على رايس، وهي أستاذة العلاقات الدولية: يقال إن من يحكم الولايات المتحدة ليس شرطاً هو نفسه من اختاره الشعب الأمريكي، فأكدت رايس على صحة كلامه، ولكنها أيضاً طالبته بألا يقلق لأنهم سيعملون على تعديله.

من المعروف أن الانتخابات الرئاسية الأمريكية تمر بمرحلتين: الأولى الانتخاب المباشر الذي يصوت فيه الناخب، ولكن ليس شرطاً أن يكون من يحقق أكبر عدد من الأصوات هو الرئيس، وإنما هناك المجمع الانتخابي الذي لديه سلطة لإقرار من هو الفائز.

وكلنا يتذكر أن المرشح الديمقراطي «آل غور» كان قد أعلن عن فوزه في انتخابات عام 2000 ولكن بعد مرور 24 ساعة فقط تغير الفائز ليكون الرئيس بوش الابن الذي تسبب في الكثير من الأزمات في المنطقة بدءاً من أفغانستان والعراق.

النقطة محل خلاف بين الغرب عموماً وباقي دول العالم، أن المعيار الذي تقاس به الدول في العالم من حيث مؤشر الديمقراطية هو أن تكون ديمقراطياً بالمعيار الغربي وما عدا ذلك فهو استبداد وهذا غير صحيح.

واضعو النظرية الديمقراطية من أيام أفلاطون لم يحددوا أسلوباً واحداً للديمقراطية، ولكن وضعوا الهدف الذي ينبغي أن تحققه الديمقراطية وهو العيش الكريم للمواطنين فهذه هي الغاية من إشراك المواطنين في العملية السياسية.

وفق هذا المنطلق، ينبغي المقارنة بين ما يحدث في المجتمعات الغربية وبين باقي دول العالم، فالصين على سبيل المثال تطبق الديمقراطية حسب أسلوبها وثقافتها السياسية وهي استطاعت أن تقضي على الفقر، بل إن مؤشر التنمية فيها يسجل ارتفاعاً كبيراً، لهذا طالب لافروف الأمريكان بأن عليهم كذلك ألا يقلقوا على بقية ديمقراطيات العالم.

* كاتب إماراتي