هو أول من أصدر كتاباً مستقلاً عن شاعر الخليج الكبير وأديبه خالد الفرج (1898 - 1954م)، وأول من ألف كتاباً عن شيخ القصَّاصين الكويتيين فهد الدويري (1921 ــ 1999)، والذي فاز بجائزة المعرض الأول لرابطة الأدباء في الكويت سنة 1984. وهو الوحيد من مواطنيه الذي حصل على جائزة الدولة التقديرية مرَّتين: الأولى في الآداب والفنون عام 1983م من مؤسسة الكويت للتقدُّم العلمي في حقل الأدب العربي الحديث.

والثانية في الثقافة عام 2001م. ومن ناحية أخرى هو أول من أصدر كتاباً عن «أدباء الكويت في قرنين» الذي صدر في ثلاثة أجزاء بين عامي 1966 و1982، موثقاً فيه لبدايات الحركة الأدبية والفكرية والثقافية في الكويت عبر الترجمة لأدباء لم يحفِل أحد من أبنائهم بجمع نتاجهم الأدبي، بل لم يلتفت أحد من النقاد والباحثين قبله لسرد سيرهم بشكل واع ودقيق.

وهو أول من وضع كتاباً سنة 1961 عن «الأمثال العامية في الكويت»، جمع فيه ما تناثر من أمثال كويتية كانت متداولة على لسان الرجال والنساء مع ما يقابلها من أمثال عربية فصيحة.

كما أنه أول من أخرج في عام 1982 كل ما يتعلق بالكويت من كتاب «دليل الخليج» بجزأيه التاريخي والجغرافي للبريطاني «جون غوردون لوريمر»، وأصدره في 14 مجلداً تحت عنوان «الكويت في دليل الخليج»، بعد أن صحح وضبط المحتوى وعلق عليه، وذلك من منطلق أهمية هذا السِّفر العظيم للباحثين والدارسين والمهتمين. وهو أيضاً أول من وضع كتاباً عن تاريخ المسرح الكويتي، وأول من أصدر مؤلفاً عن أدب الرحلات في بلده، وأول من اكتشف آثاراً تاريخية لمدينة قديمة بمنطقة الصبية بالكويت في أوائل ثمانينات القرن العشرين.

إنه الأديب والشاعر والمؤرخ والمهتم بالتراث الشعبي والتنقيب عن الآثار المرحوم خالد سعود الزيد الذي قضى سنوات حياته عاكفاً على التنقيب والبحث والتوثيق والكتابة في الصحافة، وإصدار المؤلفات المتنوعة عن الحركة الأدبية والفكرية والثقافية في الخليج عامة وفي الكويت خاصة، دون توقف وبلا كلل أو ملل، مسدياً بذلك خدمة جليلة تتذكرها الأجيال المتعاقبة إلى يومنا هذا، ويستقي منها الدارسون والباحثون في مجالات الأدب والشعر والصحافة والقصة. فهذه الدكتورة هيفاء السنعوسي مثلاً تشير في مقدمة كتابها عن القصة القصيرة في الكويت قائلة «لولا كتاب الزيد عن القصة لما تمكنت من إنجاز بحثي».

ومما يُذكر له أنه أقام في عام 1990م معرِضاً لمقتنياته من المخطوطات العربية والمطبوعات الكويتية النادرة، بمقر رابطة الأدباء الكويتيين، احتوى على أكثر من 300 مخطوط عربي، فضلاً عن مخطوطات ومطبوعات كويتية تعد النواة الحقيقية لنشأة الأدب في الكويت. وأهدى الزيد هذا المعرض إلى أمير البلاد آنذاك الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح، رحمه الله، ليكون نواة لمكتبة وطنية كويتية، لكن المعرض نـهب كاملاً إبان الغزو العراقي للكويت.

ولد خالد سعود محمد الزيد الطريجي بمدينة الكويت في 27 يناير 1937 ابناً لعائلة نزحت إلى الكويت من مدينة الزلفي النجدية قبل أكثر من 150 سنة ويعود نسبها إلى الرولة من عنزة. وفيها تلقى تعليمه النظامي حتى الصف الثانوي الثانوي فقط، حيث التحق بالمدرسة القبلية سنة 1943 وحصل منها على الشهادة الابتدائية سنة 1952، ثم درس بالمدرسة المباركية سنة واحدة انتقل بعدها إلى ثانوية الشويخ التي ظل فيها حتى عام 1957. ويُعتقد أن من أسباب عدم إكماله دراسته انشغاله بالقراءة ونظم الشعر من جهة، واضطراره لدخول سوق العمل من أجل تدبير نفقاته المعيشية من جهة أخرى.

لقد كان لوالده سعود محمد الزيد (ت: 1965) تأثير كبير على توجهاته وانشغالاته، خصوصاً وأن زيد الأب لم يكن مجرد والد يرعى أبناءه فقط وإنما كان معلماً يحقنهم بالمعارف، لأنه كان أديباً وراصداً وموثقاً ومدوناً لأدب زمنه الذي كان فيه الأدباء ينسخون المخطوطات بسبب شح أجهزة التصوير والحفظ.

أما دليلنا على أبوة المعرفة هذه فنجده في الإهداء الذي كتبه زيد الابن لأبيه حينما أصدر كتاب «أدباء الكويت في قرنين»، حيث كتب: «إلى روح من أدبني وعلمني، إلى روح من دفعني إلى وضع هذا الكتاب، إلى روح سيدي الوالد سعود محمد الزيد الطريجي اهدي هذا الكتاب».

بدأ الزيد حياته الوظيفية بالعمل كموظف في مصنع الطابوق الرملي ما بين عامي 1957 و1961، ثم عمل كموظف بريد بدائرة البرق والبريد والهاتف (تغير اسمها إلى وزارة المواصلات بعد الاستقلال)، وأخذ يترقى فيها حتى أصبح مديراً للعلاقات العامة بالوزارة في سنة 1964، ثم مراقباً للشؤون الإدارية، قبل أن يتقاعد سنة 1986.

ويلاحظ أن الرجل، إبان تقلده الوظائف المذكورة، كان ناشطاً وحاضراً في حقول الأدب والمعرفة والصحافة، بدليل اشتراكه في تأسيس رابطة الأدباء سنة 1964 وتوليه أمانة سرها من 1967 إلى 1973، وعمله كعضو في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب (تولى فيه رئاسة لجنة تشجيع المؤلفات حتى وفاته)، ومشاركته في إصدار مجلة «البيان» لسان حال رابطة الأدباء سنة 1966 وتولي رئاسة هيئة تحريرها عدة مرات، وترؤسه جمعية الفنانين الكويتية سنة 1967، علاوة على ترؤسه لجنة نصوص الأغاني بوزارة الإعلام وعضويته في المجلس الاستشاري للوزارة.

وبعد تقاعده عن العمل الحكومي توسع نشاطه، حيث كانت له مشاركات في مؤتمرات الأدباء العرب، ومؤتمرات الصحفيين العرب والأسابيع الثقافية الكويتية في العواصم العربية والأجنبية. فقد زار سوريا واليمن والجزائر والأردن والعراق وليبيا ودول المغرب العربي لهذا الغرض، ومثل بلاده مرتين في «مهرجان ستروغا» للشعر بجمهورية يوغسلافيا السابقة، وألقى محاضرات بجامعة مانشستر البريطانية عن الأدب العربي في عامي 1982 و1984، وحاضر في العاصمة العمانية مسقط، وحصل على عضوية جمعية مكتشفي حضارة الأنديز بالولايات المتحدة الأمريكية.

وللزيد، إلى جانب مؤلفاته الكثيرة والمتنوعة البالغ عددها 21 كتاباً (سبعة منها شاركه في تأليفها عبدالله محمد العتيبي وعباس يوسف الحداد)، نتاج شعري أصدره في عدد من الدواوين مثل دواوين: «صلوات في معبد مهجور» (1970)، و«كلمات من الألواح» (1985)، و«بين واديك والقرى» (1992)، و«صلوات من كاظمة» (1993).

الذين درسوا تجربته الشعرية أفادوا بأنها تميزت باتجاهين بارزين هما: الاتجاه القومي الذي تجلى في قصائد نظمها منذ بداياته في عام 1954 عن الأوضاع السياسية في فلسطين والجزائر واليمن ومصر وسوريا، ثم الاتجاه الصوفي والإنساني الذي غلب على شعره بعد ذلك، متجلياً في قصائده عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وبعض الشخصيات المثيرة للجدل كالحلاج وأبي حامد الغزالي. وقد لوحظ أن تجربته الشعرية الصوفية اتسمت بخصوبة المعنى وثراء اللغة كونه استمدها من القرآن الكريم والموروث الصوفي. كما لوحظ أن أسلوبه في النثر واضح وسلس ويعتمد تثقيف وتعليم القارئ وتوجيهه بشكل منهجي، مستخدماً المشاهدة والتجربة والتحليل والتوثيق.

ويُذكر أن الزيد وثق تجربته الشعرية في محاضرة ألقاها بجامعة الكويت سنة 1973 تحت عنوان «تجربتي مع الشعر»، ثم كتب عن حياته وميلاده وكيفية اقترابه وعشقه للأدب قائلاً: «يكفي أن أقول أني قرأت كل ما وقع تحت يدي من كتاب في التاريخ أو الدين أو الأدب أو العلم.

وبينما تراني أعيش موغلاً في الإيمان، تراني متردياً في سفح حضيض الشك والتردد»، مستدركاً بقوله: «لكن الذي لا ريب فيه أن كل الإيمان وكل الشك وكل ما قرأت فيهما وكل ما حصلت عليه من قراءاتي الأولى والأخيرة في الأدب، كان ثروة أعتز بها وأحرص عليها كل الحرص؛ لأني استفدتُ من كل ذلك جميعاً، بل كان كل ذلك سبيلاً لي نحو الهدف المنشود».

أهدى ديوانه الأول «صلوات في معبد مهجور» إلى زوجته وابنة عمه وحبيبته «بدرية الزيد» (أم سعود)، فكتب: «إلى التي وهبت كلماتي الحياة وأضاءت بمشاعل الأمل دروبي.. إلى زوجتي بدرية أهدي هذا الديوان»، دون أن يخصها بقصيدة. لكنه قبل عام من وفاته، وتحديداً في فبراير 2000، فاجأ الحضور المحتشد في احتفالية بقسم اللغة العربية في جامعة الكويت بقراءة قصيدة جديدة بعنوان «المحبأة»، حيث خاطبها فيها بقوله:

من قديم الزمان ناداه قلب

نازف الوجد معلناً ما استكنا

صورتي حيثما أقلب وجهي

أنت مرآة نازف الأمس يبنى

وبعيد المنال حرف شرود

أمر الله أن يكون فكنا

لم يحصر الزيد جهوده الأدبية والثقافية في الشأن الكويتي، وإنما تجاوزها إلى سلطنة عمان، التي يبدو أنه وقع في غرام ثقافتها وأدبها وحضارتها وسير أئمتها وفقهائها ولغتهم وفصاحتهم وجزالة ألفاظهم.

ودليلنا هو أنه ختم حياته بنشر كتاب خاص عنها بعنوان «عمانيات»، أصدره سنة 2001 في 92 صفحة وأهداه «إلى أول وافد بالإسلام إلى عُمان من أهل عُمان وهو مازن بن غضوبة».

والكتاب مكون من شقين: شق أول خاص بالشعر تصدره قصيدتان كتبهما بعنوان «النزوية» و«عمان»، وشق خاص بالنثر وما أنجزه من أبحاث ودراسات، بدأه بقراءة في حضارة عمان المتجذرة في تربة التاريخ، والهجرات التي وطأت أرضها، وأسواقها الأدبية في الجاهلية، وما سطره الأوائل عنها في كتب ومعاجم مثل «الطبقات» لابن سلام، و«الحيوان» و«البيان والتبيين» للجاحظ، و«الأغاني» لأبي الفرج الأصفهاني، و«لسان العرب» لابن منظور الأنصاري، وغيرها، ثم راح يتحدث عن ثلاث شخصيات عمانية مستفتحاً بمقولة الفرزدق الشهيرة: «شعراءُ الإسلام أربعة: أنا وجرير والأخطل وكعب الأشقري»، حيث قدم دراسة عن شاعر عمان الأموي «كعب بن معدان الأشقري» وأصوله ونسبه ومعاركه الأدبية، ودراسة عن الإمام «ناصر بن مرشد اليعربي» وسياسته في الحكم والإدارة وتحقيق العدالة، ودراسة عن المؤرخ الفقيه الإمام نور الدين عبدالله بن حميد السّالمي وشمائله وأدواره السياسية وعبقريته في التأليف والمعرفة وأسلوبه في الحكم والممارسة.

في عام 1982 أصدر الزيد كتابين: الأول بعنوان «قصص يتيمة في المجلات الكويتية»، والثاني بعنوان «مسرحيات يتيمة في المجلات الكويتية».

نال الزيد في حياته ومن بعد وفاته في 12 أكتوبر 2001 العديد من التكريمات، فقد حصل على جائزة شخصية العام الثقافية من إمارة الشارقة في نوفمبر 2001، وكرمته عمادة شؤون الطلبة بجامعة الكويت ضمن فعاليات مهرجان «في حب الكويت» في فبراير 2001، وكرمه قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة الكويت في فبراير 2000 باعتباره رائداً من رواد الفكر والأدب والشعر الكويتيين، واختير في عام 1994 كشخصية العام في استفتاء أجرته جريدة «الديرة»، ورشح في نفس العام من قبل جامعة الكويت لنيل جائزة الملك فيصل، وحصل في عام 1985 على جائزة تقديرية من مهرجان جرش للثقافة والفنون في الأردن، ونال وسام المؤرخين العرب في عام 1990، وأطلقت وزارة التربية الكويتية اسمه على مدرسة ثانوية للبنين بمنطقة مبارك الكبير التعليمية، وفاز في عام 1982 بجائزة المعرض الدولي للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت عن كتابه «أدباء الكويت في قرنين»، وأصدرت وزارة المواصلات الكويتية طابعاً بريدياً تخليداً لذكراه ضمن من خلدوا من رواد الحركة الثقافية، وأعدت مجلة «البيان» الصادرة عن رابطة الأدباء الكويتية ملفاً خاصاً عنه نشرته في عددها رقم 225 الصادر في ديسمبر 1984.