لكل بناء أركان يقوم عليها، تمثل مرتكزات له. وكلما كانت تلك الأركان متينة، يصبح البناء القائم عليها متيناً، وستتوفر له مقومات البقاء والاستدامة إلى ما شاء الله له أن يبقى ويستمر. من هذا المنطلق يأتي مقال اليوم الذي تم تخصيصه لعرض وتحليل ومناقشة بناء التميز المؤسسي الذي لا بد له أن يرتكز على خمسة أركان، التي سنعمد إلى توضيحها بشكل وافٍ ومفصل، على النحو الآتي:

أولاً: القيادة: يمثل القادة وشاغلو المراكز الوظيفية الإشرافية أحد الأركان الأساسية التي يقوم عليها بناء التميز المؤسسي؛ لأن تفوق المؤسسات، وريادتها، وبالتالي استمرارية مسيرة التميز فيها، كلها متغيرات تعتمد على القادة الذين يخططون ويصيغون الأهداف والسياسات، وهم الذين ينظمون، ويحددون الاختصاصات والسلطات، وكذلك يراقبون ويتابعون، ويتخذون القرارات المعززة لجوانب العمل الإيجابية، والمعالجة للجوانب السلبية. فضلاً عن ذلك، القادة يوجهون، ويصدرون التعليمات والإرشادات، ويؤثرون في نفسية الموظفين، واتجاهاتهم السلوكية.

ثانياً: نُظم العمل: ركن التميز المؤسسي الثاني يتمثل في نُظم العمل التي ينبغي أن تكون منضبطة، ومحوكمة بشكل رصين وفعال. في هذا المقام يمكن الإشارة إلى طيف واسع من النظم، مثل نظام الجودة والتميز المؤسسي، ونظام العلاقات العامة والإعلام، ونظام صنع واتخاذ القرارات وحل المشكلات، ونظام الإدارة المالية وضبط العمليات المحاسبية، ونظام إدارة المشتريات، ونظام إدارة المبيعات والتسويق، ونظام تقنية المعلومات.

إضافة إلى هذه النظم المذكورة على سبيل المثال لا الحصر، هناك نظام إدارة الموارد البشرية الذي يتمتع بأهمية خاصة؛ كونه يتضمن مجموعة من النظم الفرعية ذات التأثير الكبير في دعم مسيرة التميز المؤسسي، وهي: «تخطيط الموارد البشرية، استقطاب واختيار وتعيين المواهب والكفاءات، تحليل وتوصيف الأفراد والوظائف، تدريب وتطوير العاملين، الرواتب والأجور، الحوافز والمكافآت المالية والمعنوية، الترفيعات والترقيات، إدارة وقياس الأداء وما يتعلق بصياغة الأهداف الذكية للموظفين».

ثالثاً: العلاقات الإنسانية: يتمثل ركن التميز المؤسسي الثالث في طبيعة العلاقات الإنسانية السائدة بين المديرين والموظفين من جهة، وبين الموظفين أنفسهم من جهة أخرى. في هذا الشأن، من المهم أن تسود مشاعر الثقة بين المديرين والموظفين، مع أهمية مشاركة الموظفين في عمليات صنع واتخاذ القرارات وحل المشكلات. في الوقت ذاته، ينبغي اتخاذ الإجراءات الكفيلة بمحاربة مشاعر الحقد والضغينة والحسد والغيبة والنميمة بين الموظفين من خلال ترسيخ قيم الصدق والنزاهة والإخلاص والتعاون في المؤسسة. الأمر المؤكد أن العلاقات الإيجابية في بيئة العمل يمكن أن تنعكس بالإيجاب على علاقة المؤسسة بالمتعاملين وأفراد الجمهور.

رابعاً: أصحاب المصلحة: لتحقيق التميز المؤسسي، لا بد من تحقق الركن الرابع المتمثل في مراعاة مصالح أصحاب المصلحة، أي أن تقوم المؤسسة بتوجيه أعمالها، وضبط تصرفاتها، واتخاذ جميع قراراتها بما ينسجم مع مطالب واحتياجات جميع الأطراف المتأثرة بنشاطاتها، بما يضمن استدامة الأداء، ويحقق توازناً بين المصالح الاقتصادية والاجتماعية. يمكن القول بأن المؤسسة التي تلبي توقعات أصحاب المصلحة كافة يمكن أن تحقق نجاحاً طويل الأمد مقارنة بمؤسسة أخرى تركز على طرف دون آخر. أما أصحاب المصلحة لأي مؤسسة على وجه العموم، فهم الموظفون، والمتعاملون، وأفراد الجمهور، والمجتمع المحلي، والحكومة، والموردون، والشركاء الاستراتيجيون، وقد تضاف أطراف أخرى في بعض الحالات الخاصة.

خامساً: بيئة العمل الداخلية والخارجية: استكمالاً لأركان التميز المؤسسي، يأتي الركن الخامس، إذ ينبغي على المؤسسات أن تحقق استجابة إيجابية وفعالة لمتغيرات بيئة العمل الداخلية، وبيئة العمل الخارجية. هذه الاستجابة يمكن أن تتم من خلال ضبط نشاطات التخطيط الاستراتيجي، والتخطيط التشغيلي على المستويين الداخلي والخارجي، مع أهمية تعزيز ثقافة استشراف المستقبل، وإدارة التغيير في بيئة العمل.

ختاماً، التميز المؤسسي يستلزم وجود رؤية واضحة، مع أهمية نبذ الخوف والتردد جانباً، إلى جانب الاستمرار في الأخذ بأسباب النجاح والتفوق. في هذا الشأن يقول صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في كتاب «ومضات من حكمة: أقوال وحكم مختارة لمحمد بن راشد آل مكتوم»: «رؤيتنا واضحة وطريقنا ممهد والساعة تدق، ولم يبق مجال أو وقت للتردد أو أنصاف الأهداف والحلول. كثيرون يتكلمون ونحن نفعل، والتنمية عملية مستمرة لا تتوقف عند حد، والسباق نحو التميز ليس له خط نهاية».