رحل مؤدي أغنية «صوت السهارى» الفنان الكويتي عوض الدوخي في 17 اكتوبر 1979 ورحل كاتب كلماتها يوسف الدوخي في 6 سبتمبر 1990، وقبلهما رحل ملحنها الموسيقار القدير وعازف الكمان المصري المعروف نجيب رزق الله في 6 يونيو 1972، لكن الأغنية بلغت اليوم أكثر من 60 عاماً من العمر ولا تزال في عنفوان شبابها بحسب تعبير الكاتب الكويتي فيصل خاجة في صحيفة «الجريدة الكويتية» (11/16/ 2021).

والحقيقة أن خاجة بذل جهداً في فك طلاسم وغموض هذا العمل الغنائي الرائع الذي شغل ولا يزال يشغل حيزاً مهماً من ذاكرة الكويت والخليج الموسيقية، والذي يحمل في طياته معاني تعبر عن الشوق والفراق والبكاء والأمل باللقاء. يقول الكاتب إن «صوت السهارى» لم تلد ولادة طبيعية كأخواتها، وإنما كانت ولادتها عسيرة.

وملخص حكايتها أن وزارة الإرشاد والأنباء الكويتية (وزارة الإعلام لاحقاً) قامت في شهر رمضان سنة 1961 بدعوة الفنانين الكويتيين لتقديم أغنية بمناسبة عيد الفطر السعيد كي يتم بثها عبر أثير الإذاعة في يوم العيد، فاستجاب الأخوان يوسف وعوض الدوخي، اللذان لجأ كل منهما إلى الفلكلور المغنى، واختارا من الفن العاشوري (من الفنون الإيقاعية الغنائية الاحتفالية المعروفة على مستوى دول الخليج) جملاً ورد فيها ذكر العيد.

ولم تكن تلك الجمل سوى:

حس السهارى يوم مروا عليّ/ عصرية العيد

نوّخ ذلوله وقام يبكي عليّ/ بالدمع همّال

قام الأخوان بعد ذلك بتغيير بعض المفردات لتبسيطها، مع إضافة أبيات جديدة، ليتم تسجيلها في غضون أسبوعين بعد أن أسندت مهمة التلحين لمدير فرقة الإذاعة الموسيقية وعازف الكمان الرئيسي فيها الموسيقار نجيب رزق الله. ويضيف الخاجة قائلاً إنه اتضح للمسؤولين بعد بث الأغنية أن لا علاقة تربطها بالعيد سوى جملة «عصرية العيد»، فتقرر تصنيفها كأغنية عاطفية وليس كأغنية مناسبات.

ويستند خاجة إلى الشاعر والمؤرخ الفني ناظم السماوي ليخبرنا عن أمور أخرى متعلقة ببناء هذا العمل الغنائي الفريد، خصوصاً وأن السماوي كان شاهداً على ميلاده، بل ومشاركاً به. طبقاً للسماوي، قام الأخوان الدوخي بتجهيز الأغنية في مقهى والده بمنطقة شرق بالقرب من سوق واقف وعلى مقربة من مكتب الفنان عبدالله فضالة الذي كان مكاناً لتجمع الفنانين.

وهناك طلب يوسف الدوخي من السماوي، باعتباره شاعراً صدر له بالكويت في عام 1959 ديواناً تحت عنوان «جنوبيات»، أن يساهم في كتابة الأبيات الجديدة للأغنية فكتب السماوي:

كلّي أمل ألقاك/متشوّق لرؤياك/يا ويلي من فرقاك/ والقلب صار مشغول/ والعين تطول وتقول/صدّك حرام يطول.

أعجب يوسف الدوخي بما نظمه السماوي، لكنه استبدل جملة «يا ويلي من فرقاك» بجملة «لا وين أنا أطراك». أما المقاطع المتبقية فقد اقتبسها الدوخي ــ طبقاً لناظم السماوي ــ من أغنية «حبيبي حبيبي/ تبقى حبيبي» للفنان العراقي عباس جميل الشيخلي (ت: 2005)، كان قد سجلها في الخمسينات الميلادية على أسطوانات باسمه المستعار آنذاك وهو «عباس قمري».

أما لجهة اللحن، فإن يوسف وعوض الدوخي ربما توليا تلحين المقطعين الثاني والرابع من الأغنية على مقام الحجاز، لكن من يستمع إلى العمل ككل بأذان فاحصة سيجده أقرب إلى الأغنية المصرية منها إلى الأغنية الكويتية، ليس لحناً فقط وإنما كلمات أيضاً ومنها جملة «ساعة ما شفته أنا/بالي انشغل وياه».

وهذا أوضح دليل على تأثر هذا العمل بالوهج الفني المصري، وهيمنة العازفين المصريين في تلك الفترة على فرقة الإذاعة الموسيقية، ناهيك عن بصمات الموسيقار المصري الكبير نجيب رزق الله الذي تولى قيادة التلحين والتوزيع الموسيقي (خلافاً للرأي القائل إن ملحن الأغنية هو يوسف الدوخي) ومتابعة العمل نظماً ونغماً منذ البداية.