بعد فوز مرشح الجمهوريين دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأمريكية. بات العالم أمام حسابات جديدة ومرحلة مغايرة، ما تموج به الكرة الأرضية من صراعات وحروب وأزمات اقتصادية، يحتاج إلى نظرية سياسية جديدة، تختلف عن تلك التي سادت طوال ثمانية عقود - أي منذ تأسيس نظام عالمي على أنقاض الحرب العالمية الثانية – فالنظرية القديمة لم تعد صالحة.

تجلى هذا في التفاعل مع الأزمات التي راحت تعصف بمفهوم الاستقرار، وتعبث بالقانون الدولي والمؤسسات الدولية، في ظل انفجار الثورة الصناعية الرابعة، الخاصة بالذكاء الاصطناعي، الذي يؤثر عميقاً في بنية المجتمعات والدول. وفي اعتقادي أن واشنطن التي كنا نعرفها عبر أزمنة طويلة، لا تملك رفاهية تكرار السياسات الكلاسيكية بعد هذه الانتخابات.



أمريكا كانت شريكاً رئيساً في كل أحداث العالم، وداعماً أساسياً في ما جرى من ثورات ملونة في المنطقة العربية والعالم، وفقدت كثيراً من وجودها السياسي، بسبب هذه التداخلات، وصولاً إلى الحرب الروسية - الأوكرانية، والحرب الإسرائيلية على فلسطين، ولبنان.



لا نبالغ عندما نقول إنها أخطر انتخابات في تاريخ أمريكا والعالم، فلا شك أن واشنطن، هي القاسم المشترك في كل أحداث العالم، ومن ثم، فإن هناك ارتباطاً قوياً في صياغة توازنات القوى على المسرح الدولي، وفق مرحلة جديدة، وحسابات مغايرة. لو نظرنا إلى خرائط الصراعات، نجد تعاطياً جديداً، يختلف عن السياق الأمريكي على مدى ثمانية عقود، أي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.



أمريكا لديها أخطار ومخاطر داخلية، تريد تجاوزها بأقل الخسائر، وأيضاً في الخارج، تشعر بالمنافسة الشرسة، في بسط نفوذ قوى أخرى على المسرح الدولي، كالصين وروسيا، وصولاً إلى أهم حلفاء أمريكا، وهو الاتحاد الأوروبي، الذي بدأ في الآونة الأخيرة، يحاول الاستقلال في القرار السياسي والاقتصادي، خشية أن يكون الفائز ليس على الهوى السياسي لدول أوروبا، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.



إن الميراث الذي تحمله أمريكا الجديدة، هو ميراث ثقيل، يحمل أياماً مختلفة، ويتطلب سياسة مختلفة، فساكن البيت الأبيض هذه المرة، سيجد على مكتبه ملفات شديدة التعقيد، حول المنافسة العالمية، ومكانة أمريكا على المسرح الدولي، فثمة نظام عالمي محتمل، يختلف تماماً عن النظام الذي ساد طوال ثمانية عقود، وهو التحدي، الذي تعرفه بدقة مراكز التفكير الأمريكية.

فهناك غضب عالمي من هيمنة القرار الأمريكي، السياسي والاقتصادي، على مسارات الاستقرار في العالم، ناهيك عن أن أمريكا طرف واضح في الحروب الدائرة، والتي تشكل عبئاً أخلاقياً على المواطن الأمريكي من جانب، وعبئاً آخر على شعوب العالم، لذا، فإن البيت الأبيض أمام حسابات جديدة، تمثل له معبراً إلزامياً، إن أراد التجديد، والبقاء كرقم مهم في معادلات النظام العالمي المحتمل.



من غير المتوقع أن تظل خرائط الصراعات الحالية مشتعلة، بنفس الوتيرة، وبذات الدعم الأمريكي، ففي هذه الحالة، لن ينجر العالم وحده، بل إن الانتحار السياسي، سيكون عنوانه الولايات المتحدة الأمريكية التي نعرفها.



أخيراً، أستطيع القول، وفق تجربة العقود الماضية مع النظام العالمي الحالي، إنه آن الأوان لتدشين نظام جديد، تتعدد فيه الأقطاب، يقوم على المساواة والتعدد الثقافي والعرقي، يحمي مقدرات الشعوب والدول، فلا شك أن خرائط العالم لم تعد تحتمل مزيداً من نزيف المغامرات الجنونية.

رئيس تحرير مجلة الأهرام العربي