طوبى لمن تعامل مع غيره من الدول والجيران والأصدقاء باعتبارهم أقراناً لا محددين لمصيره، أو محركين لحياته، أو أصحاب قول فصل في مستقبله ومستقبل أولاده.
اليوم، يحكم الحزب الديمقراطي أمريكا، وغداً يحكمها الحزب الجمهوري، ومن يعلم من يأتي على رأس إدارتها بعد غد؟ ربما «حزب الخضر» أو «إلى الأمام» أو «الأحرار» أو غيرها من الأحزاب الموجودة في المشهد السياسي الأمريكي، ولا يعلم كثيرون، بمن فيهم جانب من الأمريكيين أنفسهم، أنها موجودة من الأصل.
متابعة المشهد الانتخابي الرئاسي في الولايات المتحدة الأمريكية أمر مثير ومهم، لا لمعرفة من يسكن البيت الأبيض لمدة أربع سنوات مقبلة، ولا لتوقع توجه سياسات الساكن الجديد أو الساكن الذي يستمر لأربع سنوات إضافية، ولكن لمتابعة ردود فعل دول العالم، وأنظمتها، وشعوبها، وخبرائها، ومنظريها على هذه الانتخابات.
البعض – من خارج أمريكا - يحبس أنفاسه انتظاراً لنتيجة الانتخابات الرئاسية. هذا البعض يعتقد أن نجاته أو فناءه، وتحديد مصيره ومستقبل أبنائه، ودعم بلاده أو سحب الدعم منها يكمن في اسم الفائز بمنصب الرئاسة، لا بسياسات بلاده وإنجازاتها وأدائها ومدى قدرتها من عدمها على العمل لتقليص الصراعات التي تعصف بها، وتعظيم حجم العمل والعلم والتطور وغيرها من الأمور القادرة على تحقيق النمو والاستقرار والرفاه.
المؤكد أن أمريكا، باعتبارها قوة عظمى أو حتى القوة العظمى، تؤثر في الكثير من دول الأرض، أو كل دول الأرض بدرجات متفاوتة، لكن أن يرتكن البعض في دول الأرض على اسم الرئيس الجديد دونالد ترامب وانتماءاته وأولوياته، وينتظر موعد دخوله البيت الأبيض ليبدأ في توجيه اتهامات التعثر أو ثناءات التطور لأمريكا، باعتبارها من يحدد مصيره، فهذه شيم المتواكلين من محترفي تعليق الأخطاء والإخفاقات على شماعات الغير.
متابعة التحليلات وقراءات الخبراء عن كيف عاقب الأمريكيون العرب أو المسلمون الأمريكيون مثلاً مرشحة الحزب الديمقراطي الخاسرة كامالا هاريس فلم يصوتوا لها، أو لماذا أخفق الرئيس المنتهية ولايته بايدن في تحقيق أهداف العرب.
أو هل سيحقق ترامب ما يجول في خاطر الكثيرين من العرب في شأن القضية الفلسطينية، أو حين يعيد البعض عرض كشف حساب الرئيس السابق باراك أوباما وهل دعم العرب بما يكفي أم خذلهم، وغيرها تسلط الضوء على مقدار تعلق البعض في منطقتنا بشماعات وحجج تتعلق بعدم الحصول على الدعم السياسي اللازم، أو التعضيد الاستراتيجي المطلوب من دول أخرى، لتبرر وقوفها محلك سر.
السر في المضي قدماً يكمن في عدم الاعتماد – على الأقل الكلي أو الزائد عن الحد - على قوة خارجية بعينها، أو حليف استراتيجي دون غيره. والحق يقال إن عدداً من الدول العربية نجحت في السنوات القليلة الماضية في الانتقال أو التحرر من قبضة القطبية الأحادية.
طبيعي ومتوقع ومقبول أن تكون هناك دول قوية، وتحالفات مصالح، واتفاقات تعاون، لكن الاعتماد على قوة دون أخرى، أو ربط مصير دول أو شعوب بقرارات تتخذها دول أخرى، وتتغير بتغير حكامها وإداراتها، فهذا أمر بالغ الخطورة، ومعرقل للتنمية، ناهيك عن كونه ينتقص من مكانات الدول ويؤثر سلباً على مصائر شعوبها.
في يناير المقبل، يخرج الرئيس جو بايدن من البيت الأبيض، ويدخل الرئيس دونالد ترامب. ورغم عقود طويلة أثبتت فيها السياسة أن لا صوت يعلو على صوت المصالح، وأن لا مجال لسيادة العواطف أو هيمنة الصداقات في العلاقات بين الدول وبعضها، وأن المحرك الرئيسي هو الرؤى السياسية والاستراتيجية الواقعية والمرنة في الوقت نفسه.
إلا أن البعض ما زال يرتكن إلى «مدرسة الانتظار» في تحديد مساراته، انتظار ما ستسفر عنه سياسات البيت الأبيض، أو الكرملين، أو قصر الشعب أو الإليزيه أو غيرها من مراكز الحكم واتخاذ القرار في العالم لترسم بقية الدول سياساتها، أو تبني توقعاتها، أو تتوقع مصائرها لم يعد خياراً إلا للضعفاء.
مصر والإمارات والسعودية على رأس الدول الحرة التي تعلمت الدرس، ولم تعد رهينة القطب الواحد، أو نظام بعينه، أو رئيس أمريكي دون غيره.
*كاتبة صحفية مصرية