حينما فاز المرشح الجمهوري دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية يوم الثلاثاء الماضي 6 نوفمبر، فالمؤكد أن هناك رابحين وخاسرين من وراء هذا الفوز. اليوم سوف نركز على أحد الخاسرين وهو غالبية دول حلف شمال الأطلنطي «الناتو» والسبب ببساطة أن ترامب ومنذ ولايته الأولى من 2016 — 2020، يضغط بشدة على بلدان الحلف، لكى تزيد من نسبة مساهمتها في ميزانية الحلف وإلا فإن واشنطن لن تدافع عنها، بل ستتركها فريسة أمام الدب الروسي.

ترامب لا يخفي نواياه، وهو نفسه حكى وتحدث أكثر من مرة، ولعل أهم دليل دامغ على ذلك الفيديو الموجود على الكثير من المواقع الإخبارية. في هذا الفيديو يحكي ترامب عن محادثة جرت بينه وبين الأمين العام السابق لحلف الناتو ينس ستولنبيرج في فبراير الماضي. ويومها قال ترامب إن غالبية الرؤساء والمسؤولين في الحلف مدينون لنا بالمال ويجب أن يدفعوا مقابل الحماية.

ترامب قال لستولينبيرج إن رئيس دولة أوروبية كبرى سأله: هل إذا لم ندفع لكم وهاجمتنا روسيا، لن تقوموا بالدفاع عنا، فرد عليه ترامب بوضوح: نعم لن نحميكم بل سوف نشجع الروس على أن يفعلوا بكم ما يريدون، وبالتالي عليكم أن تدفعوا.

ترامب شعبوي وشعاره «أمريكا أولاً» وهو يطبقه اقتصادياً وعسكرياً، وفي الحالة الأخيرة فإنه يرى أن حلف الأطلسي لابد أن يسدد للولايات المتحدة ثمن حمايتها لبلدانه. ومن أكثر الدول التي تشعر بالخطر ألمانيا، فترامب لم يشكك فقط في الناتو، بل هدد بسحب القوات الأمريكية من ألمانيا. ونعرف أن الولايات المتحدة تضغط منذ عام 2014 على أعضاء الناتو لرفع مساهماتهم بنسبة 2 % من الناتج المحلي الإجمالي لكل دولة من الدول الـ32، لكن لم يلتزم به الكثيرون.

ونعلم أن الميزانية الدفاعية الأمريكية تبلغ 968 مليار دولار في هذا العام، في حين أن إجمالي الميزانيات العسكرية لكل دول الحلف وعددهم 30 دولة، إضافة إلى كندا لا يزيد على 506 مليارات دولار بنسبة 34 % من إجمالي الإنفاق.

وطبقاً للتوقعات فإن 23 دولة من الـ32 الأعضاء يتوقعون إنفاق أكثر من 2 % هذا العام.

وهناك تقدير أن ترامب ربما يفاجئ الناتو ويطلب منهم رفع النسبة إلى 3 %، رغم وجود 9 دول أعضاء لم تصل حتى الآن إلى اتفاق نسبة الـ2 %.

ورغم ذلك وطبقاً لخبراء كثيرين فإن ترامب لن ينسحب من الناتو، لكن سوف يستمر في اتباع أسلوب «العلاج بالصدمة» بعد أن ثبت نجاحه في السنوات الماضية ليس فقط مع الحلف بل مع الصين والاتحاد الأوروبي، خصوصاً أن جزءاً كبيراً من الأموال الأوروبية في الزيادة التي تطلبها واشنطن ستذهب لشركات السلاح الأمريكية، وهو ما يعني مزيداً من خلق آلاف الوظائف للأمريكيين.

وأعتقد أن الأوروبيين لا يملكون أي خيار غير الاستجابة لمعظم طلبات ترامب. إن لم يكن كلها والسبب الجوهري أن معظم الأوروبيين يخشون الدب الروسي، ولا يملكون قوة عسكرية كافية لمواجهة هذا الخطر بصورة منفردة. وربما يقودنا ذلك إلى الرغبة الفرنسية المستمرة منذ عقود في إنشاء قوة عسكرية أوروبية قوية تدافع عن القارة ضد كل التهديدات. وقد سمعنا العديد من المسؤولين الفرنسيين يجددون الدعوة لقوة أوروبية مستقلة، وهو الأمر الذي لا تفضله واشنطن على الإطلاق لأنه يعني توقف اعتماد أوروبا على واشنطن.

أحد التحديات المهمة بعد وصول ترامب هو الاعتقاد بأنه قد يتخلى عن أوكرانيا، أو يدفعها أو يجبرها على التوصل للتسوية مع روسيا لن تكون في صالح كييف. غالبية الدول الأوروبية خصوصاً ألمانيا وفرنسا، بل وبريطانيا، يخشون هذا السيناريو، بل يخشون أن يلجأ ترامب إلى التشكيك في المادة الخامسة من ميثاق الحلف التي تلزم كل أعضاء الحلف بالدفاع عن أي دولة داخله تتعرض لعدوان خارجي. إذن «الناتو» هو أول الخاسرين حتى هذه اللحظة من عودة ترامب، إلا إذا تمكن الحلف من إقناع ترامب أن استمرار الحلف قوياً ليس فقط في صالح أوروبا، بل في صالح أمريكا أيضاً.