يقدر الراتب الشهري للرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنحو 33 ألف دولار (400 ألف سنوياً)، قبل الضرائب. وهو أقل من راتب مدير عام مصرف. غير أن ترامب الثري ليس بحاجة لراتب، حيث تضاعفت ثروته منذ ترشحه عام 2016 لتتراوح بين 7.5 مليارات و10 مليارات دولار في ولايته الثانية.

والسؤال الذي يطرح نفسه، لماذا يعطى الأثرياء راتباً يوازي راتب أصغر مدير يعمل في إمبراطوريته التجارية. الإجابة المهنية تأتينا من عالم الموارد البشرية، بأنه لا بد أن يتقاضى الفرد أجراً مقابل عمله، مهما بلغ ثراؤه. هذا الأجر يقوم على العلاقة التعاقدية بين الطرفين وفيها حقوق وواجبات.

والملاحظ أن الرؤساء الأمريكيين الذين لم تزد رواتبهم على 33 ألف دولار شهرياً تقريباً منذ عام 1969، بحسب تقارير صحافية يشير إلى أن بعض أنواع التقدير المادي ليست لها علاقة بالتضخم في أسعار السلع والخدمات. فذلك المبلغ يعد هائلاً في الستينيات، لكنه لم يعد يحمل القوة الشرائية نفسها حتى كتابة هذه السطور.

ذلك يعني أن مما تعطيه المؤسسات لأفرادها ما يسمى بـ «التعويضات غير المادية» وهي أمور مرتبطة بشرف تمثيل الأمة مثل النائب أو الوزير أو السفير. وهو ما لا يقدر بثمن. وهناك أمور معنوية مرتبطة ببيئة العمل، مثل عراقة المكان أو الشعور بالراحة فيه، والأدوات الحديثة، وبرامج التدريب العالمية، وفرص الترقية، ومرونة ساعات العمل وغيرها، وهي جوانب معنوية تسمى تعويضات غير مالية «Non-financial compensation»، والتي تهم الكثير من الناس.

وعلى النقيض هناك تعويضات مالية «financial compensation» مثل الراتب الأساسي، والحوافز والمكافآت المادية، وساعات العمل الإضافية، والتأمين الصحي، والمزايا العينية مثل السيارات وتذاكر السفر وما شابه.

كل ذلك من شأنه جذب الكفاءات إلى بيئات العمل، فمن لا يتأثر بالجوانب المعنوية قد تجذبه الماديات. وبهذا يصبح في مقدور المؤسسات ليس استقطاب الكفاءات فحسب، بل الإبقاء عليها لأطول فترة ممكنة بحكم الامتيازات المادية والمعنوية.

ولا يعلم البعض أن هناك تعمد من قبل مجالس إدارات الشركات الخاصة، والدول، في عدم انتهاج سياسة دفع تعويضات مادية سخية لاعتبارات عدة، إما لأنها ليست بحاجة إلى استقطاب كفاءات جديدة، أو لأنها مقيدة بظروف مادية قاهرة تحول دون انتهاج سياسة مادية مغرية.

بعبارة أخرى، عادة ما نقوم في مجالس الإدارة بإعداد دراسة للتعويضات المادية والمعنوية لشركتنا عبر تكليف جهة خارجية احترافية ومقارنتها بالسوق عموماً وقائمة المنافسين، فتتوصل إلى نتيجة مفادها أين نقع نحن من الامتيازات التي يقدمها الآخرون. وعادة ما تطرح أمامنا ثلاثة خيارات على النحو التالي: أن نقرر التفوق على منافسينا lead، أو أن نسايرهم meet، أو نعطي امتيازات أقل من السوق lagging behind، على اعتبار أنها مؤسسة رائدة في القطاع كله ولم تعد بحاجة إلى استقطاب موظفين في جميع القطاعات.

وهذا الأمر يحدث أيضاً على مستوى البلدان، عندما تقرر اختيار مستوى التقدير المادي والمعنوي الذي باستطاعتها تقديمه للقوى العاملة. وهناك خيار آخر جزئي، وهو منح فئة محددة من الموظفين (القيادات العليا مثلاً) امتيازات تنافسية لتستقطبهم، ولا تفعل الأمر نفسه مع صغار الموظفين بسبب محدودية الميزانية مثلاً.

العطاء المادي، مسألة أصيلة ومهمة لتقدير الكفاءات. فبعض الجهات تكون على استعداد لمنح مكافآت نقدية تصل إلى ما يتراوح بين 30 و50 في المائة من رواتب الموظفين الذين يحققون نتائج يشار إليها بالبنان. وهي تعد من أكثر طرق الاستقطاب عالمياً. هناك من يغرى مثلاً بتأمين صحي شامل ويشمل سائر أفراد الأسرة. وهي عوامل تساعد على الاحتفاظ بالكفاءات. إذن التقدير المادي هو وسيلة ومن سائل إدارة القوى العاملة عموماً. والأمر نفسه ينطبق على الأمور المعنوية. وكما يقال في الأمثال الشعبية «لا يُخدم بخيل».