تبني الشعوب قيمها وتعززها من خبراتها وتجاربها ومن انتماءاتها والأرض المتعايشة عليها ومن الثقافة التي تسود حياتها، كما تستمد هذه القيم من الأسرة والأبوين والأقارب والأصدقاء والمعلمين والمناهج التعليمية ووسائل الإعلام، وتستقر هذه القيم والمعايير في العقل الباطن، وتعكس القيم أهداف المجتمعات الإنسانية واهتماماتها وحاجاتها والنظام الاجتماعي والثقافي التي نشأت فيه بما تتضمنه من نواحٍ دينية واقتصادية وعلمية.

ومما لا شك فيه أن القيم والأخلاقيات في كل مجتمع نتاج تطور تاريخي طويل؛ ولقد طالبت كل الأديان السماوية الإنسان أن يتصف بالأخلاق الحميدة «Good Ethics»، ووضعت له النتائج الإيجابية المترتبة على اتباعها.

ومما لا شك فيه إننا جميعاً في وطننا العربي كشعوب محبي للسلام والعيش في بيئة آمنة مستقرة متسامحة ومتماسكة اجتماعياً ومحافظة على قيمها الأخلاقية الدينية والإنسانية والاجتماعية، ومن خلال متابعتنا للانتخابات الأمريكية، كنا وبكل تأكيد لا نفضل عودة من هم يناصرون ويؤيدون عودة ديمقراطية الفوضى الخلاقة لمنطقتنا العربية مرة ثانية، وأقصد هنا مرشحة الحزب الديمقراطي كامالا هاريس، والتي لا تختلف تماماً عن أوباما في شعاراتها، «أوباما» المدعي في البدايات من حكمه في عام «2009» أنه أتى من أجل سلام شعوب العالم، عندما وقف في «جامعة القاهرة» يردد السلام عليكم «ها أنا من أجل السلام جئتكم..!»، ولكن، ما حدث في عهده ما هي إلا مؤامرة كبرى على بلداننا العربية تحت مسمى «ثورات الربيع العربي»، تحولت فيها دول عربية كبرى إلى دويلات ممزقة متصارعة فيما بينها وتفككت جيوشها وتشردت شعوبها وضاعت هيبته ونهض فيها رموز الإسلام السياسي بل وصل بهم الحال في عهد الديمقراطيين إلى «سدة الحكم» في بعض الدول العربية كمصر وتونس.

إن الديمقراطيين يقولون ما لا يفعلون، أي أنهم يقولون الشيء ويعملون نقيضه، أما الجمهوريون فهم خلاف ذلك، محافظون على القيم الأخلاقية ومحبون للسلام وليسوا من دعاة الحروب وانتشار الفوضى والخراب والدمار، كما أن المرشحة الديمقراطية هاريس لم تحدد رؤيتها بوضوح في القضايا الجوهرية المهمة لمنطقتنا العربية كوقف نزيف الحروب الجارية على الساحة العربية وخاصة في فلسطين ولبنان وغيرها أيضاً من الدول.

لقد حاولت هاريس» والحزب الديمقراطي أن يطرحوا ويقدموا عرضاً جيداً، ولكنهم ابتعدوا كل البعد عن ما يدور في فكر وذهن الناخب ومن يستمع إليهم أيضاً، ومما لا شك فيه لم يكن جميع الناخبين يولون اهتماماً في المقام الأول بطرحهم عن الإجهاض.

وكأن هذه الحقوق والحريات المباحة والخارجة عن نظام القيم الأخلاقية في هذا الشأن فقط هي محور اهتمام الناخب الأمريكي، لقد راهنت هاريس على: «الإجهاض - والتحول الجنسي» كمدخل مهم في شعاراتها الانتخابية، متناسية أنها ستكون رئيسة لدولة يزداد فيها أعداد المهاجرين وبصفة مستمرة والذين يحملون في أفكارهم وعقيدتهم ثوابت وقيماً أخلاقية مختلفة عن شعارها المارق المخزي لرغباتهم وثوابتهم الدينية التي تربوا ونشأوا عليها في أوطانهم، مما كان له الأثر القوي في المواقف المناهضة لها في صناديق الانتخابات بتفضيلهم المرشح الجمهوري «دونالد ترامب عليها» على الرغم من دعم النساء لهاريس إلى حد كبير على حساب ترامب، وكذلك أيضاً لم يتجاوز تقدم نائبة الرئيس النسبة التي كانت «حملتها» تأمل أن يحققها ترشيحها التاريخي، إذ لم تتمكن من تحقيق طموحاتها في الفوز بأصوات النساء الجمهوريات في الضواحي وخسرت 53 في المئة من أصوات النساء البيض! على الرغم من إدلاء نحو 54 في المئة من الناخبات بأصواتهن لصالح هاريس إلا أن هذا لم يصل إلى نسبة 57 في المئة التي سبق ودعمت بايدن عام 2020،

وفقاً لبيانات استطلاعات الرأي عقب الإدلاء بأصوات الناخبين في مراكز الاقتراع.

لقد ابتعدت هاريس كل البعد عن القضايا التي تهم بالمقام الأول الطبقة الكادحة في المجتمع الأمريكي كالاقتصاد - والحياة المعيشية - والتضخم - والتعليم وقضايا الهجرة.

أما بالنسبة للمرشح الجمهوري «دونالد ترامب الذي شهد العالم خلال فترته مرحلة سلام كان واضحاً تجاه القضايا المهمة كتعهداته بوقف نزيف الحروب المشتعلة في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة في فلسطين ولبنان، والحرب الأوكرانية الروسية، وكان معارضاً شرساً لعمليات الإجهاض، وفوضى الحدود والهجرة غير الشرعية، محافظاً بقوة على قيم المجتمع الأمريكي الأخلاقية، ولا يسعنا إلا أن نقول: «نعم» لقد انتصرت القيم الأخلاقية في الانتخابات الأمريكية.