منذ بداية هذا الشهر (نوفمبر 2024) والتحليلات تتدفق في منصات الإعلام حول مستقبل العلاقة بين أمريكا والعالم، البعض يرى أن الولايات المتحدة في مرحلتها القادمة ذاهبة إلى العزلة الدولية.

مما يمكن قراءته من تصريحات العهد الجديد، وآخرون يرون أنها سوف تكون أكثر تواصلاً مع الآخرين، لأن العام الجديد، اقتصاداً وسياسة، لا يتيح لأي دولة الانعزال عن العالم، خاصة دولة كبرى كالولايات المتحدة لها شبكة علاقات ومصالح واسعة.

رجل البيت الأبيض الجديد ليس هو القديم الذي كان في أعوام 2016 - 2020، لقد أصبح أكثر خبرة في الشؤون الدولية، وتحدث تكراراً في حملته الانتخابية عن أهمية السلام في العالم، وهو المدخل كما يعتقد لتخليد فترة حكمه، وربما لشخصه، فهي الفترة الأخيرة من صراعه المرهق في السياسة.

الافتراض أن إدارته الجديدة، وإن كان لبعض أفرادها آراء متطرفة في بعض الملفات في السابق، فإنها سوف تكون منسجمة مع أفكار الرئيس الجديد، والذي يرى أن الاقتصاد له أهمية قصوى في إحلال السلام في العالم، وأن الحروب لا تقود إلا إلى التدمير. يمكن إذاً أن نتوقع انفراجاً في العلاقات الدولية، أكثر مما ذهب إليه المتشائمون في الأسابيع الأخيرة.

التنافس بين الولايات المتحدة والصين ملف كثيراً ما يعاد إليه، وتذهب التوقعات إلى أن التنافس قد يقود إلى صراع، الإنسان له ذاكرة قصيرة، فلو عدنا فقط إلى ثلاثة عقود من اليوم لقراءة ما كتب حول التنافس الدولي، لوجدنا عدداً من الكتب والمقالات والدراسات حول (التنافس الأمريكي – الياباني) وقتها، أما اليوم فإن اليابان بالكاد تذكر في هذا الملف، أخذت مكانها الصين.

وربما الأخيرة تختفي من المنافسة بعد فترة، لتبرز دولة أخرى على الرغم من الحديث الموسع عن أن الصين هي القوة القادمة، مازال أمامها الكثير من الوقت، والكثير من الصعاب الداخلية، خاصة في ملفي البطالة والفقر.

إذاً سوف تبقى الولايات المتحدة هي الدولة الأقوى في العالم عسكرياً واقتصادياً وعلمياً لعقود قادمة، والملف الأخير يحظى بالاهتمام وبالعمل، الاهتمام الأقصى لتطوير التقنية، ونجد له الكثير من المؤشرات في سلم أولويات الإدارة القادمة، كمثال إشراك العديد من العقول العلمية في الإدارة، هو تأكيد لتوجهها، وعلى رأس تلك العقول إشراك إيلون ماسك، صاحب المبادرات العلمية والتقنية اللافتة في الإدارة.

مخزون القوة الأمريكية هو في قوتها الناعمة، وهي الابتكار والتجديد العلمي، لذلك هي جاذبة للعقول من أنحاء العالم، واحد من مؤشرات تأكيد سياسة الجذب ما صرح به دونالد ترامب، أن كل أجنبي يحصل على شهادة علمية في أمريكا يستطيع أن يبقى فيها، رغم تشدده ضد المهاجرين.

واضح أن التشدد يعني المهاجرين غير المؤهلين، أما أصحاب التأهيل العلمي فهم احتياط ضروري للاقتصاد الأمريكي، ويغرون على البقاء في سوق العمل الأمريكي، لأنهم قوة اقتصادية مضافة.

كما يتضح أن جناح السلام في خطط الإدارة الجديدة، يرافقه جناح الاقتصاد، كلاهما يحققان الأمن للمجتمعات، والاقتصاد هنا هو الاقتصاد الحر القائم على المبادرة، مع أقل ما يمكن من المعوقات الإدارية.

الحديث عن رفع الرسوم الجمركية على الواردات من العالم إلى السوق الأمريكية، إن تخطت القدر المعقول سوف تضر بالاقتصاد الأمريكي الداخلي، يمكن أن يستعاض عنها بتشجع الإنتاج المحلي، ورفع القيود البيئة في البحث عن الطاقة الأحفورية، واستخدام التقنية لخفض كلفة الإنتاج في قطاعات إنتاجية كثيرة، أما وضع قيود كبيرة فهو مستبعد، لأنه ببساطة مؤذٍ للاقتصاد. نحن في الغالب على أبواب عالم جديد متغير رافعته هي الاقتصاد وليس المدافع!!