أعلن الناطق الرسمي باسم الحكومة السنغالية، عن فوز الحزب الحاكم في الانتخابات التشريعية المبكرة التي جرت الأحد الماضي، بنتيجة عريضة جدّاً، وهذه النتيجة تعتبر تفويضاً شعبياً لا لبْسَ فيه، ومن شأنها أن تمكّن، بحسب الملاحظين، حزب الرئيس السنغالي، باسيرو ديوماي فاي، من تطبيق أجندته السياسية وبرنامجه الاقتصادي والإصلاحي، الذي يقطع بالكامل مع فترات الحُكْمِ السابقة.

وتولّى الرئيس السنغالي الجديد الرئاسة منذ ثمانية أشهر في أبريل الماضي، إثر فوز كاسح في انتخابات، كان شعارها القطع مع الماضي، والوعد بالقضاء على الفساد، وتحسين سبل العيش أمام المواطن، وهو ما لقي استحساناً لدى عموم الشعب السنغالي، وخصوصاً شريحة الشباب التي تعاني غياب الأمل، والنتائج السلبية للتضخّم المرتفع، الذي فجّر غلاء الأسعار، وضرب في العمق المقدرة الشرائية للمواطن، وفاقم نسبة البطالة لدى الشباب.

ولم ينتظر الرئيس السنغالي أكثر من ستّة أشهر على تولّيه مقاليد الأمور، حتّى أعلن عن حلّ البرلمان، الذي قام في تقديره بتعطيل المسار الإصلاحي الذي بشّر به، وأمر بتنظيم انتخابات تشريعية مبكرة.

ولم تكن نتيجة الانتخابات مفاجئة، بل كانت بشهادة عديد المحلّلين والمراقبين منتظرة، فقد أعلن المحلل والباحث السياسي بابكار نداي منذ السبت الماضي، أنّ الانتخابات التشريعية السنغالية «ستجسّد الصراع بين الأجيال،.

وستقضي إلى زوال طبقة سياسية ولّت وانقضت وانتهت صلاحيتها».

الرئيس السنغالي الجديد، باسيرو ديوماي فاي، وضع سيادة بلاده الاقتصادية، ومسألة التوازن في العلاقة مع المؤسسات الأجنبية، وبالخصوص الفرنسية منها، في قلب برنامج الحكم، وأخضعه لمحكّ الحقائق الاقتصادية.

وهو الأمر الذي أعطاه بريقاً لافتاً لدى عموم الشعب السنغالي.

وقد يكون من المهمّ التذكير بأنّ شعاري القطيعة والسيادة الاقتصادية، مثّلا القاسم المشترك لعديد التيّارات اليمينية المتطرفة والقومية والشعبوية في انتخابات عدد من دول العالم، وهو ما يفسّر الصعود المتنامي لهذه القوى في عديد الدول، ومنها الولايات المتّحدة الأمريكية والأرجنتين، وعدد آخر من الدول الغربية الأوروبية، بينها فرنسا وألمانيا وإيطاليا.

وكانت هذه التيارات الفكرية اليمينية والشعبوية في هذه الدول، الردّ المنطقي على اهتراء الطبقات السياسية التقليدية، التي فشلت فشلاً ذريعاً في التواصل مع شعوبها ومجتمعاتها، وصمّت آذانها عن طلباتها واحتياجاتها الملحّة، وانحرفت بمسار الحُكْمِ إلى اهتمامات حقوقية هامشية، لا تلبّي أيّ حاجة من حاجيات المواطن المعيشية، وهو ما خلق على المدى المتوسّط والبعيد هوّة، ما انفكّت تتعمّق بين هذه النخب التقليدية ومجتمعاتها.

ولأنّ المجتمعات والشعوب تحتاج في بعض مفاصل التاريخ إلى شخصيات وفكر سياسي يدفعها إلى الرفض والاحتجاج، وحتّى التمرّد والثورة، وجدت في أصحاب الفكر الشعبوي واليميني القومي المتطرف، ملاذاً وقوارب نجاة حاملة لأمل جديد، إضافة إلى أنّ هذه الدول والمجتمعات في الغرب الليبرالي، وفي غيره من دول العالم.

والتي عاشت منذ بداية تسعينيات القرن الماضي على وقع ووهم موت الأيديولوجية، والانتصار النهائي للمنظومة الفكرية السياسية الليبرالية، تشهد الآن من جهة أولى، عودة مخيفة لصراع التنوّع المحتدّ على قاعدة تناقض المصالح الوطنية والقومية والحضارية أحياناً، ومن ناحية ثانية، فهي تعرف تآكلاً متنامياً لقيم ومُثل المنظومة الليبرالية، والمُثُل الديمقراطية الغربية عموماً، التي فقدت على مدى السنوات بريقها وجاذبيتها لدى عديد شعوب العالم.

وبالتدريج، بدأت التيارات الجديدة باكتساح مواقع السلطة في بلدانها على أساس فكر قومي حمائي، يطبع كلّ علاقات بين الدول بالمصالح الوطنية القومية الصرفة، وبدأ الوعي يحصل في المقابل، بضرورة التحالف والتشكّل وفق مصالح الأوطان، وتعدّد الأقطاب الذي أضحى أمراً واقعاً، ستقبل به جميع الأطراف لا محالة.

إنّ انتخابات السنغال، كإحدى دول الجنوب، وقبلها الانتخابات في الولايات المتحدة والأرجنتين، وعدد من الدول الغربية النافذة من الشقّ الليبرالي، تؤشّر كلّها إلى أنّ العالم دخل مرحلة جديدة، قوامها مصالح الأوطان والتعددية القطبية على هذا الأساس، ولا يُعرف بَعْدُ إن كانت هذه المتغيّرات مكتملة ونهائية، أم إنّها ظواهر وقتية وغير مستدامة، وقد تفتح على عوالم أخرى غير التي نعيش.



كاتب تونسي