إن كان هناك رائد في مجال الغناء للطفل العربي، فهو بكل تأكيد الموسيقار المصري محمد فوزي (1918 ــ 1966)، الذي وصفته صحيفة أخبار اليوم القاهرية بـ «كوكتيل المواهب».

فقد غنى بصوته المميز الجميل الذي ورثه عن والده الشيخ «حسن عبدالعال الحو»، مختلف أنواع الغناء من عاطفية ودينية ووطنية ورمضانية وفرانكو أراب قبل أن يلحقها بأغاني الأطفال، ولحن لنفسه ولغيره (كمحمد عبد المطلب وليلى مراد وشادية ونازك وشقيقته هدى سلطان) أعذب الألحان، وأدى أدواراً مختلفة في السينما أمام معظم نجوم ونجمات زمنه وبالتعاون مع كبار مخرجي عصره.

كما برع في العمل السينمائي الكوميدي الخفيف وفن الأوبريت. علاوة على ذلك دخل مجال الإنتاج السينمائي، ثم الاستثمار التجاري من خلال إقامة أول مشروع مصري خالص وأكبر شركة من نوعها في الشرق الأوسط لصناعة وإنتاج الأسطوانات، وهو المشروع الذي أممته الحكومة ضمن هوجة التأميمات الاشتراكية مطلع ستينيات القرن العشرين، فأصيب من جرائه بالاكتئاب والقهر والمرض.

وفوزي، الذي ولد في 15 أغسطس 1918 بقرية كفر أبوجندي التابعة لمحافظة الغربية، ونشأ وسط عائلة محافظة مكونة من 25 أخاً وأختاً، كان هو الحادي والعشرين بينهم، توفاه الله في 20 أكتوبر 1966 بمرض غريب حار فيه الأطباء المصريون والأجانب.

لكنه قبل وفاته، رحمه الله، كان قد حفر اسمه بمداد من ذهب في تاريخ الفن، ولا سيما فن الغناء للأطفال الذي بدأه في عام 1951 بأغنية: «ماما زمانها جايه/ جايه بعد شويه/ جايبه لعب وحاجات/ جايبه معاها شنطة/ فيها وزة وبطة/ بتقول واق واق واق»، من ألحانه وكلمات المبدع حسين السيد.

وبعد النجاح الساحق الذي حققته هذه الأغنية، تحمس فوزي وقدم في عام 1955 أغنية أطفال أخرى هي: «ذهب الليل طلع الفجر والعصفور صوصو/ شاف القطة قال لها بسبس قالت له نونو»، من ألحانه وكلمات فتحي قورة. وهذه انتشرت أيضاً على نطاق واسع داخل مصر وخارجها، بدليل أنه بيع منها داخل مصر فقط نحو 40 ألف أسطوانة.

حينما سألته مجلة «آخر ساعة» المصرية في حوار معه سنة 1964م عن أسباب اتجاهه للغناء للأطفال وتأسيسه أكبر مكتبة لأغاني الأطفال في التلفزيون المصري أجاب قائلاً ما مفاده إن أغاني الأطفال كان مجالها معدوماً قبل أغنية «ماما زمانها جاية»، وإن هناك كثيراً من المطربين والمطربات غنوا أغاني لم يستطع الأطفال حفظها أو هضمها لأنها للكبار فقط. وأضاف: «في رأيي أن أغاني الأطفال هي التي يقلد فيها الملحن الأطفال وهو يؤديها».

ونختتم بالقول إن ما قدمه للأطفال العرب ليس وحده الذي خلد اسمه في عالم الموسيقى والطرب، وإنما أيضاً جملة من الألحان والأغاني العاطفية الجميلة التي ما زالت تطرب المستمعين إلى اليوم رغم مضي ثلاثة أرباع القرن عليها، ومن أمثلتها أغاني:

«عوام»، و«مال القمر ماله»، و«تعب الهوى قلبي»، و«حبيبي وعيني لو في وسط مية»، و«يا جارحه القلب»، و«شحات الغرام»، و«ساكن في السيدة وحبيبي ساكن في الحسين» لمحمد عبد المطلب، و«يا أعز من عيني» لليلى مراد، و«لقيته وهويته» لشادية، و«كل دقة في قلبي بتسلم عليك» لنازك، و«لاموني وارتضيت باللوم» لهدى سلطان. هذا ناهيك عن سبب آخر لخلود اسمه في ذاكرة الملايين وهو تلحينه لنشيد «القسم الجزائري» الذي صار السلام الوطني المعتمد للجزائر منذ عام 1963، وهو من كلمات الشاعر الجزائري الراحل مفدي زكريا، ويقول مطلعها:

قسماً بالنازلات الماحقات

والدماء الزاكيات الطاهرات

والبنود اللامعات الخافقات

في الجبال الشامخات الشاهقات

نحن ثرنا فحياة أو ممات

وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر

فأشهدوا.. فاشهدوا.. فاشهدوا