تتمحور مساعي الإنسان حول محاولات الدخول من أبواب الفرص، غير أن بعض الأبواب تُغلق عمداً رحمة بنا لتُفتح لنا آفاق أرحب. فربما لا يعلم البعض أن مالك شركة هوندا التي تحمل اسمه، كان يعمل في كراج «Art Shokai» الشهير في طوكيو، الذي قدر على ما يبدو مواهبه، حيث بدأ حياته في تصليح السيارات.



وبعد ثماني سنوات نجح في فتح كراج خاص به، ليبدأ رحلة تطوير قطع غيار السيارات. وهنا بدأت الصدمة الأولى في عام 1936، حينما صنعت «هوندا» قطعاً مخصصة لسيارات «تويوتا» لكنها رفضتها، مما شكل صدمة نفسية كبيرة له.

لم يتوقف عند ذلك الحد، بل واصل تطوير أفكاره واستغلال الفرص لتحقيق إنجازات أكبر، حتى حانت لحظة فتح «الباب العالي» إبان حقبة شح الوقود بُعيد الحرب العالمية الثانية.

فابتكر محركاً صغيراً كان فعالاً في استهلاك البنزين، حيث صمم هذا المحرك لتتمكن الشركات من إرفاقه بالدراجات الهوائية، الأمر الذي لقي رواجاً كبيراً.

باختصار واصل فكرة البحث عن مشكلة في السوق ليحلها بابتكاره. وذلك هو السر وراء أعظم الشركات والمنتجات والخدمات، وهو تقديم حل يستفيد منه ملايين الناس.

وفي عام 1949، أسست «هوندا» شركته الخاصة لتبدأ بإنتاج أول دراجة مزودة بمحرك، ما شكل انطلاقة جديدة دخل بها التاريخ من أوسع أبوابه. وذاع صيت «هوندا» بعدما اقترن بجودة الدراجات النارية. بعد عقدين ولج باباً جديداً، وهو تصنيع سيارات كاملة، لتبدأ «رحلة رد الاعتبار» بعد صدمة رفض «تويوتا» لابتكاره.



ولا شك أن رفض «تويوتا» لاختراع «هوندا» لم يكن نهاية المطاف، بل الدافع لتسلق قمة جديدة. وهو دليل على أن العقبة ليست إشارة للعودة، بل دعوة لمحاولة تخطي الحواجز للمضي قدماً نحو خط النهاية.

حتى الروائي ستيفن كينغ، قيل إن روايته الأولى قد رفضت أكثر من 30 مرة قبل أن تُنشر وتحقق نجاحاً كبيراً. والروائي المصري د.علاء الأسواني قال صراحة في مقدمة إحدى رواياته، بأنها منعت من النشر باعتبار أنها لا ترقى للنشر، بحسب رأي اللجنة المختصة، لكنها سرعان ما حققت انتشاراً باهراً.



ولو أن هوارد شولتز صاحب سلسلة مقاهي «ستاربكس» قد تراجع بعد رفض فكرته من قبل مئات المستثمرين قبل أن يجد التمويل الكافي، لما تحولت فكرته التي شاهدها في إيطاليا إلى سلسلة مقاه عالمية ألهمت شتى التجار في قارات العالم، إلى خوض غمار تأسيس مقاه عابرة للقارات، مع أننا كعرب الجزيرة نعيش في مهد القهوة، إلا أنه لم يكن لنا سبق الريادة في تأسيس شركات من هذا النوع، وهو ما يحاول كثيرون تداركه بالانطلاق نحو العالمية.



الملياردير الصيني «جاك ما» كان حلمه أن يدخل «باب» مطاعم «كنتاكي» كموظف، ليفتح له القدر باب التجارة الإلكترونية ليصبح صاحب أكبر شركة من نوعها في العالم، ولا يعلم أن ذلك الأمريكي كنتاكي الذي طاف بخلطته السرية للدجاج لم يجد آذاناً صاغية حتى تجاوز الخمسين.



في كثير من الأحيان، لا يفتح الباب الفرصة إلا حينما يحين الوقت المناسب. فبعض الفرص إذا جاءت قبل أوانها أضرت بصاحبها، وربما بددت ما تبقى من حماسته وتفانيه، لأن «عوده لم يشتد» بعد.



أرى أن البائع الذي يقرع الأبواب ويحاول جذب المارة في الطرقات أكثر تحلياً بالصبر منا. فهو قد جبل على تقبل فكرة «الرفض» التي أضحت جزءاً من يومياته، فصارت لديه مناعة.



بعض الفرص التي نحاول فتح أبوابها لا يكفيها حسن الاستعداد، ولا التوقيت، بل تتطلب شجاعة في الإقدام منقطعة النظير. ولذلك قيل «فاز باللذات من كان جسوراً».



كاتب كويتي متخصص في الإدارة