قلة من الناس، على اختلاف طبيعة مهامهم واختصاصاتهم، يفضل وضع مخطط مسبق لمشروعاتهم أياً كانت، على أساس أن المخطط المسبق يقوم مقام خريطة الطريق؛ يوفر لهم نظرة شمولية إلى ما سيكون عليه عملهم عند اكتماله، كما لدى الكتاب والأدباء، أو شكل الانتصار وفاعليته، كما لدى القادة العسكريين في الميدان.

ويعين وضع المخطط لا على إتقان العمل وضبطه فحسب، بل على إنهائه في وقته المحدد من دون ارتباك. ومن يضع مثل هذه المخططات المسبقة، هم الكبار عادة أصحاب التجارب العريضة في الحياة. أولئك تعرفهم ليس بسيماهم فقط، بل من أسئلتهم الصريحة التي تدفعك للتوقف والتفكير فيها، من مثل:

ما الخطوة التالية بعد انتهاء العمل، أو، ما العمل في اليوم التالي على الانتصار؟ وما شابه من أسئلة، تنضوي إجاباتها على حيرة البدايات، التي تتحول إلى ذكرى عصية على النسيان. ثم أن المخطط المسبق لأي عمل، يضمن سبيلاً آمناً دون مفاجآت، وطريقاً سلساً خالياً من المخاطر.

يلجأ الكاتب، عمداً، إلى إيهام القارئ بأنه يسير في اتجاه محدد وواضح، لا لبس فيه، بينما في الحقيقة هو يخطط في قرارة نفسه السير، خلسة، باتجاه آخر مغاير، يحرص فيه على أن يكون اتجاهه محجوباً عن القراء. هي نظرية الإيهام، كأن يتحدث في موضوع، ويبالغ في وصفه.

بينما هو في الحقيقة يضمر التحضير والاستعداد، من خلف الستار، للقيام بأمر مختلف كلية عما أبداه وأعلن عنه. القصد من هذا كله، أن الكاتب لا يريد للقارئ أن يعلم بمساراته، أو يتنبأ بشيء منها، أقله، في مرحلة محددة من مراحل مشروعه.

ثمة إجماع على إطلاق تسمية (السواتر الدخانية) على مثل هذه العمليات، لما تستره خلفها من حقائق يجب أن تبقى خبيئة على الأطراف كلها حتى تنفيذها؛ فمهمة السواتر الدخانية هنا التمويه والتضليل لحجب الغايات المضمرة، والقادة الميدانيون يستعملون الطريقة ذاتها للإيقاع بأعدائهم والانتصار عليهم.