يقال وأصدق القول في أسرف الفعل فضاح، بأن القوة ليست دائماً في صريح الرد والفعل، فقد تكون في الصمت والترفع عن الزلل، وتجاهل صغائر الأمور، وترك الخوض في شؤون العالمين، فذاك منبع العلة وأصل الداء. وبين المسموح والممكن تاه الصواب واحتارت الوجهة أين يكمن الخط الفاصل للخصوصية رغماً عن ما تظهره منصات المنشور والمرئي، التي صار في حضرتها الممنوع جائزاً واختلطت على البعض المقاييس.
ضريبة التقدم التي لم يسلم من شرها أحد، غيرت المعتاد وأباحت المستغرب لتجعل أكثر الناس لا يفرق بين الشأن الداخلي والشأن العام، ولا يميز بين الحق الشخصي والحق العام، ولا بين المسؤولية الفردية والمسؤولية العامة. فهو بين ليلة وضحاها ودون «هود ولا هدا» يقتحم شؤونك الخاصة، ويتدخل في أدق التفاصيل ولا يبالي، باعتبارها حقاً عاماً نسبه لنفسه، وعندما يصل الموضوع لحياته فالتدخل ليس مقبولاً ولا مسموحاً في عرفه السامي، ولعله يدرك يوماً معادلة كما تدين تدان.
التدخلات المزعجة باتت حتماً محتوماً على الناس بل أصبحت حقاً يدعي أهله بمسوغاته لمعرفة كل شاردة وواردة، طمعاً بجديد وغريب المحتوى المحتدم سباقه للنشر. وأي صبر الذي بوسعه أن يطيق الحاصل، وأي قالب الذي يضع الناس محكومة في إطاره الضيق وحده وضمن شروطه هو فقط، ليحاصرك بسيل من فنون التعقب والفضول مستخدماً أبرع الوسائل وأحدث التقنيات المتفوقة، تأتيهم يميناً يأتونك يساراً وما الحيلة، يعرفونك ولو كنت خافياً ومتخفياً بدروع وأقنعة.
وكيف السبيل إلى الخلاص من هذه المعمعة.