غريب كيف تتبدل المشاهد والصور والمواقف حين نداري عباراتنا بصيغ وتعابير مجازية لننجو، أو نواجه أو نثأر بطريقة لبقة ماكرة..!
في مشاهد الحياة المتباينة اليوم، تخلت الاستعارات من كونها مجازات شكلية تمنح الحوار حلاوة وطلاوة، بل تعدت كل صور الجمال لتصبح تصورات فكرية، سواء في حواراتنا اليومية، في الشارع والمجالس، وتعدتها للخطب السياسية، وبعيداً عن فكرة أن الجمود اللغوي قد يتوازى مع الجمود الفكري، فلكي تقول شيئاً مختلفاً عليك استخدام كلمات أو استعارات مختلفة، والتي تحيل بدورها إلى تصورات جديدة حصراً للنفس والفكر وطريقة التعامل مع المواقف، وإن كان بإمكاننا غالباً الانتباه إلى ما نقول، ففي الاستعارة أو الرمز لا يمكننا أن نكون واعين تماماً لبواطن النية أو الجوهر أو الغاية المرافقة، خفية، لقولنا.
فالرموز اللغوية ليست تعابير محايدة، والرغبة في النزوع إلى زاوية قصية من القول وتحليلها بكلمات مختلفة تمنحنا هوية مميزة، وتوصل أفكارنا إلى أبعد مما نقول وأقرب إلى ما نعتقد، هي هوية ثابتة تتجانس مع نظرتنا لشخص معين أو موقف، ليؤكد كل ذلك حقيقة أننا لا نُوجد إلا عبر اللغة، وعن طريق كلماتنا نبني أنفسنا ونبني الآخر ونبني العالم.
وفي حوار كان يحكمه المجاز والحقيقة، بتنا نشتاق إلى ذلك السجال الممتع، في زمن طغى به المجاز الرقمي المقتضب على الإسهاب العذب، بعد أن ضاعت شفرات التواصل الإنساني، وتاهت الكلمات على خارطة سفر طويل، فبتنا نعيد أنفسنا، واضمحلت مشاعرنا، إلا من نصوص وحيدة رتيبة، كرسائل بقيت كأيقونة فريدة، في زمن غريب..!
إن كوناً أخرسَ ليس كوناً إنسانياً، لأنه كونٌ بلا أحكام، بلا تواصل، بلا قوة بنائية، بلا حب نابض يلغي المسافة بين معنى الحروف ولفظها، فالعالم الذي نعيشه يشبهنا جداً، لا لأنه فُصّلَ لنا، بل لأننا نحن من أنشأناه، وبالكلمات أولاً..!