امتلأت الشوارع وسالت الأودية ليتبدل الطقس بظلمة السحب، ونعيش لحظات الكل يلتقطها بـ«جواله» ليختزلها ذكرى ويعرضها كصورة، لنركز فيها على الأحوال المناخية كموضوع مهم في وسائل التواصل الاجتماعي والنشرات الإخبارية، وكأننا نعيش انسجاماً شعورياً واحداً ينعش النفس ويضفي عليها التفاؤل والصفاء ورؤية نقية للحياة، بصورتها التي امتسحت منها الغبار وأزالت الأكدار، الكل يتنافس في التقاط الصور ولكن هل فكرنا في تلك النعمة كيف نعيشها؟

تلك النعمة التي لا تتكرر إلا أياماً معدودة في السنة، ابتهل في الدعاء ليكون لك رصيد في أوقات الاستجابة، وامنح النفس شعوراً بفتح نافذة تستنشق منها الهواء ليسري في شرايين رئتيك ويجري في دمك ليصل إلى عروق عقلك ليتأثر ويزيل عنه عتمة أصابت تفكيرك، وافتح صفحة من قلبك للحياة، فكما تتبدل الأحوال ستتبدل الأقدار.

ولكن تحتاج إلى سعي منك بكل ما أوتيت من حكمة، فامنح نفسك انسجاماً مع الطبيعة لتتخلص من سلبيات الفكر والشعور، فنعمة المطر سر من أسرار الحياة لا يفهمه إلا من يتأمل الكون بجميع مجرياته، ويكون مع أحداثه متفاعلاً، يكتب خطة جديدة لحياته.

فالقديم مسحته زخات المطر لأن لها وقعاً على الشعور والعقل والفكر وإحساس القلب، ولتكن تلك القطرات التي أغرقت الشوارع والدروب برهاناً لخطواتك إلى كل جديد كقطرات تملأ بها ميزانك لتعلو شيئاً فشيئاً، وبحراً تجدف به بقاربك لتصل إلى شاطئ الأمان، وأنت قد منحت نفسك القيادة والعزيمة ومواجهة المخاطر واجتياز التحديات، لتسمو من بعدها واثقاً من قدراتك ومغامرة جريئة منك لتغيير لوحة حياتك من صحارى اكتستها شمس الكد والتعب إلى بشائر خير تنهمر عليك من سحائب وغيوم مُسخّرة من ربك، لأنك اتبعت طريق الصبر والتوكل والرضا والعمل باليقين بما خطه عقلك وأناملك في زخات المطر.