منذ فترة شاهدت فيلماً عُرض في دور السينما، يمثل أحداثاً جرت في القرون الوسطى في إحدى الدول الأوروبية.

تروي أحداث الفيلم قيام أحد الفرسان بخيانة وغدر صديقه مما اقتضى من الشخص المغدور أن يتقدم بشكوى ضد الشخص الغادر في المحكمة للامتثال أمام القضاء للبت في الأمر وأخذ الحق.

اللافت في الفيلم، بأن المخرج تعمد تصوير المشهد أكثر من مرة ليعكس لنا جريان نفس الحدث بصور مختلفة حسب شهادة الرواة.

امتثل المغدور أمام القضاء وروى القصة من جانبه، تعاطف معه البعض ووقف ضده البعض الآخر بناء على صورة ذهنية مسبقة عنه.

في وقت لاحق امتثل الشخص الغادر أمام القضاء مرتدياً ثوب البراءة، وتعاطف معه عددٌ أكبر بالتأكيد لنفوذه أولاً وثانياً بسبب لا يمكن تصديق أن أحداً في مكانته سيقدم على مثل هذا الفعل.

حضر الشهود وكانوا بين البينين ولديهم روايات مختلفة أيضاً ولكنها أقرب ما تكون لرواية الغادر بحكم المصالح الشخصية.

خلاصة الفيلم، بالرغم من أن الحدث واحد، ولكن بسبب أن الدوافع والنوايا والمصالح، جاءت الروايات مختلفة، وعليه اختلفت مخرجات القصة ولم يكن الأمر سهلاً على القضاة معرفة الحقيقة بدقة.

بطريقة أو بأخرى رسالة الفيلم الكامنة بين السطور بأن رواياتنا وفهمنا للأحداث دائماً ما يبنى على أطر فهمنا الشخصية ومراجعنا وتحيزاتنا الإدراكية وأفكارنا المسبقة، ومصالحنا الناتجة من فهمنا للأحداث.

من الطبيعي أن يرى الناس الأمور بشكل مختلف، خصوصاً أن عقل الإنسان المحدود لا يمكنه الإحاطة بجميع جوانب الحدث، لذلك نميل نحن البشر إلى التركيز على ما يلفت انتباهنا في الأحداث أو ما هو مألوف لنا أو ما نعتبره مهماً لمشاركته مع الآخرين.

ماذا لو أدركنا بأننا جميعا وبدون استثناء لدينا نقاط عمياء قد تضلل آراءنا وقد تمنحنا ثقة زائفة عند تفسيرنا الأحداث؟ ماذا لو تركنا مسافة للشك فيما نظن أنه صحيح وقطعي عند روايتنا الأحداث ومشاركتها مع الآخرين؟