بالنسبة لكثيرين، الأمر لا يخلو من غرابة متزايدة؛ فبعض الناس ليس لديهم قدرة على الإقدام على الفعل، نتيجة لعوامل عديدة، بل يفضل الانتظار حتى ينتهي الآخر من فعله - أياً كان هذا الآخر وكان فعله - بعدها يقوم الشخص المنتظر، بفعله المؤجل. والحقيقة ما قام به هو رد فعل وليس فعلاً، بادر إليه من تلقاء نفسه.
شخص كهذا، شديد الإخلاص للانتظارية - كما اصطلح على تسميتها - يعتبر الانتظار مبدأ في الحياة، لا يحيد عنه، يعتمد فيه على عاملين اثنين:
الأول، أنه يعتبر أية مبادرة يقوم بها، هي مجازفة أو تهور، ثمنه باهظ لا قبل له به. لذلك، تجده يستسهل الإفساح في المجال للآخر كي يسبقه بقيامه بالفعل؛ فإن نجح، حاكاه بفعل مماثل وهو مطمئن البال، وإن أخفق هذا الآخر في فعله؛ ففي هذه الحالة، يكون المنتظر قد ضمن السلامة، واكتسب تجربة زادته حذراً.
الأمر الثاني، إن الحياة بالنسبة لشخص يعشق الانتظار، ولا يُقدم، يعد هدوءها وسعادتها وبهجتها، في خلوها من المجازفة أو المغامرة. لذا، تجده ينأى بنفسه عن أي فعل جسور، مهما كانت طبيعته، وأهميته، وضمانات نجاحه.
إن الخوف من المبادرة يزيح الإنسان من الخط الأمامي، ويخلّفه. يجعله شخصاً بلا فعل، يسقط في هاوية التبعية.
وللتبعية درجات وأبعاد، تتمحور كلها حول ترك الإنسان الفعل المناسب في الوقت الأنسب، ليقوم به الآخرون. متخلياً عن أمر يدخل في صميم الواجب، بدءاً من الطاقة النفسية، بحسب الفيلسوف الدكتور فرانتس فانون، ثم الاقتصاد وصولاً إلى السياسة.
التبعية، تعدُّ فقدان السيطرة على القدرات النفسية لدى الأفراد، والموارد الطبيعية لدى الدول؛ فهي تعيق أية تنمية اقتصادية. ورغم ذلك، التبعية ليست قدراً لا مفر منه؛ فثمة أفراد نمّوا في أنفسهم القدرة على المبادرة - الفعل، كما الدول، استطاعت تجنّب التبعية بالحفاظ على الاستقلال الوطني، وذلك بدعائم أربع هي: القيادة القوية الرشيدة، الوحدة الوطنية، التنمية الاقتصادية، والدبلوماسية الذكية.