لدينا في عالمنا العربي جملة من المفاهيم الخطأ، فبينما نشاهد العالم الخارجي وخاصة في الدول الأكثر تطوراً لديهم مفاهيم مختلفة عن بعض الأمور سواء في التعليم أو الصناعة أو التجارة والأعمال بصفة عامة، إلا أننا ومع الأسف نمتلك مسلمات خطأ عن طبيعة أي عمل من الأعمال.
وسأضرب مثالاً بمجال من أهم المجالات الحياتية اليوم، بل إنه يدخل في التطور والتقدم لأي مجتمع، وهو الحقل التعليمي، حيث توجد فيه عادة أو مسلمة خطأ، تنتشر بين المعلمين والمعلمات، مفادها أن معلمي الصفوف الأولية – الابتدائية أقل في الأهمية، وأنه كلما كنت معلماً لمرحلة تعليمية أعلى صرت أفضل، المشكلة أن مثل هذه الرؤية ستجد لها في مجتمعاتنا العربية صدى كبيراً، حتى في المجالس والجمعات، غني عن القول: إن الوضع مختلف كما أسلفت في دول عديدة وكثيرة، خاصة المتطورة والمتقدمة حضارياً، حيث يعظمون تعليم النشء، ويعتبرون تعليم الأطفال مهمة سامية لا يمكن أن يقوم بها أي معلم أو معلمة، بل يجب أن تتوفر عدة شروط ومتطلبات، فالتعليم الابتدائي يعتبر مهماً لتطوير المجتمعات، وتعزيز الفرص لدى الأطفال، وتحسين حياتهم اليومية، وتنمية مهاراتهم في القراءة والكتابة، وتطوير المهارات النقدية والتحليلية والإبداعية.
تحضرني في هذا السياق قصة البروفسور جورج شارباك الفائز بجائزة نوبل للفيزياء عام 1992، الذي ترك أكبر المناصب الوظيفية، وتوجه لتعليم الأطفال، ووضع برنامجاً تعليمياً عنوانه «ضع اليد في العجين»، ويهدف إلى إيقاظ حواس التلاميذ على العلوم منذ الصفوف الابتدائية، ويتم التعامل معهم كباحثين ومبدعين لتنمية معرفتهم العلمية، حيث يعملون ميدانياً، وينجزون الاختبارات، ويطورون حس الملاحظة لديهم، وبات هذا البرنامج الذي تبنته وزارة التربية الوطنية الفرنسية مركزاً لنشر الكفاءات، التي يستفيد منها مجموع التعليم الابتدائي في فرنسا، وتم تطبيقه في 350 صفاً في أكاديميات فرنسا الـ 5، كم نحن في أمس الحاجة لمثل هذه المبادرات من علمائنا.