يقول أحد المتحدثين إنه في أحد الأيام قام بتقديم محاضرة بخصوص فن الخطابة، ولاحظ أنه في مقدمة الحضور في الصف الأول كان هناك سيدة تنظر إليه طوال الوقت دون أن تزيح نظراتها، كانت تأخذ الملاحظات وعيناها لا تزالان تحدقان به، كان الموضوع برمته مبهماً وغريباً بالنسبة له، فهي لم تلتفت حتى إلى الملاحظات التي كانت تكتبها.
وفي نهاية المحاضرة بعد انتهاء المتحدث من إجابة استفسارات الحضور والاستماع إلى ملاحظاتهم وأخذ بعض الصور التذكارية معهم، تتوجه إليه تلك السيدة مباشرة وتخبره أنه كان ولا يزال مصدر إلهام بالنسبة لها منذ فترةٍ طويلة، فبالرغم من التأتأة ومعاناته من الصعوبات في النطق منذ الصغر إلا أنه أصبح اليوم أحد أفضل المتحدثين في العالم. وبعدها أخبرته أنهم يتشابهون نوعاً ما في رحلة المعاناة، تعجّب لوهلة وسألها أن توضح، فأخبرته أنها صماء ولا تسمع أي شيء ولكنها تسعى وتبذل أقصى الجهود لتصبح متحدثة مؤثرة تتقن فن الخطابة.
بهذه الكلمات وضعت النقاط على الحروف وأصبحت الصورة أكثر وضوحاً، فلقد أدرك المتحدث الحيرة التي شعر بها آنذاك، واستوعب سبب تحديق تلك السيدة وتركيزها المستمر، فقد كانت تتابع كلماته من خلال قراءة شفتيه لتتمكن من متابعة المحاضرة. لقد شعر المتحدث حينها بالإلهام من قصة تلك السيدة العظيمة، وأكد لها أنها منبع الإلهام والمثال الذي يحتذى به، ليس هناك وجه مقارنة بينهما فالصعوبات التي مرت بها أشد وأمرّ، ثم أخبرها بكل احترام أنه تشرف بسماع قصتها التي فاقت التميز.
تخيل شخصاً ليس بإمكانه أن يسمع حتى صوته وبالرغم من ذلك فهو يحلم ويخطط لأن يكون متحدثاً ومحاوراً ناجحاً يتقن فن الإلقاء والتأثير، حتى يتمكن من أن يترك أثراً لافتاً واستثنائياً في حياته وفي حياة الناس، السؤال الذي يطرح نفسه ما هو عذرك؟