لا مكان في العالم القديم أو الحديث، إلا ويحمل اسماً يعرف به، كما لكل مكان شكله؛ فقد يكون قرية، بئراً مهجورة، صخرة في جبل، أطلالاً، عمراناً درسته الريح، ساحة معركة دلت عليها قبور وسيوف صدئه، واحة غدت يباساً بعد خضرة، أنهاراً غدت جداول جافة متشققة.

واسم المكان غالباً ما يحمل قصة، يحفظها الناس، ويروونها للأبناء، فتكسب المكان بذلك تجدداً. وقد تكون القصة التي يحملها المكان، حقيقية أو خيالية.

الكثير من الأمكنة المسماة، بينها المدن، حفرت لنفسها ايكاً عاطفياً في النفس البشرية، فترى بلديات المدن الكبيرة والصغيرة، تعاني مجرد التفكير بتغيير أسماء الأمكنة، ذلك وفاءً لتاريخية المكان والاسم، من جهة، والأخرى، تقديراً لمشاعر الناس الذين نسجوا حول المكان حكايات وقصصاً، بعدما أصبح رمزاً للعابرين له محمولاته.

والأمكنة بأسمائها دخلت الأعمال الأدبية، فكتبت لنفسها عمراً أطول، خلوداً أقرب. فمن منا لم يتعرف على أحد وجوه باريس في رواية «البؤساء» لفيكتور هوغو، عبر أزقة الفقراء المهمشين، أواخر القرن 18.

أو تعرف في رواية «نزيف الحجر» لإبراهيم الكوني، على جمالية الصحراء لدى قبائل الطوارق، وتعرف القاهرة، عبر رواية نجيب محفوظ «أولاد حارتنا»، التي فازت بنوبل 1988.

ومدينة لندن، ما كان لبعضنا التعرف عليها، قبل نعمة السفر، لو لا قصص شارلوك هولمز، للكاتب أرثر كونان، استخدم المدينة كخلفية لمغامرات ذلك المحقق الشهير.

وهل ينسى قراء الرواية الرومانسية «قلعة اوترانتو» لهوراس والبول، إذ جعل القلعة مسرحاً للأحداث؟ حتى شعراؤنا العرب، منحوا الخلود بشعرهم لمواقع في الصحراء، كانت مجهولة، مثل اللوى، الدخول، حومل، في معلقة امرؤ القيس «قفا نبكي».

الأماكن تلعب دوراً محورياً في الأحداث، وتشكيل الشخصيات، وتعطي مفاهيم عميقة، وتشكل هوية الإنسان. وما يلفت في السياق - وهو موضوع آخر مهم - أن بعض الأعمال الأدبية، لكتاب الشعر والقصص والروايات، أنهم عندما يكتبون لا يذكرون الأماكن في أعمالهم، برغم أنها ميدان الحدث.