لقد كانت الكلمة منذ القدم أداة قوية، سواء في توجيه الشعوب أم في قيادة الأمم، بل إن بعض القادة التاريخيين والأولياء الأوائل استطاعوا من خلال كلماتهم أن يحدثوا تغييراً جذرياً في عصورهم ويتركوا إرثاً خالداً نستلهم منه حتى اليوم.

الكلمة ليست مجرد أصوات تتردد؛ بل هي نبض القلوب، ورسالة العقول، وأداة التأثير. كل قائد عظيم ترك بصمة في التاريخ لم يكن فقط بسيفه أو بذكائه، بل بكلماته التي استطاعت أن تلهب النفوس وتبعث الأمل وتوحد الجموع. وقد قال الشاعر العربي: «جراحات السنان لها التئام ولا يلتام ما جرح اللسان»، تعبيراً عن أثر الكلمة الدائم والعميق، سواء أكان إيجابياً أم سلبياً.

استلهام من القادة العظماء

لنأخذ مثالاً على ذلك من سيرة القائد الإسلامي خالد بن الوليد، الذي اشتهر بقولته الشهيرة: «أنا سيف الله المسلول»، فقد كانت كلماته مليئة بالقوة والعزيمة، وكان يعطي عبر كلماته للجنود شعوراً بالثبات والإقدام في المواقف الصعبة. كذلك، لم تكن كلمات خالد تقتصر على البأس في المعارك، بل كان يحسن استخدام كلماته لتحقيق السلام أيضاً، كما فعل في العديد من المواقف الحساسة.

ومن الشخصيات التاريخية الأخرى التي اشتهرت بقوة كلمتها، يأتي الإمام علي بن أبي طالب الذي كانت حكمه وأقواله تنير طريق العدل وتحث على الحكمة. فقد قال: «الناس أعداء ما جهلوا»، ليذكرنا بأن الجهل يولد الخوف والعداوة، وأن المعرفة وسيلة لتجاوز الخلافات وبناء التفاهم. كانت كلماته حكماً تلهم الناس لتقدير العلم وفهم الآخر.

الأولياء والأثر الروحي للكلمة

من بين الأولياء الأوائل، نجد كلمات الإمام الشافعي وغيره من العلماء الذين لم يستخدموا كلمتهم فقط لنقل المعرفة، بل لنشر روح التسامح والحكمة. كانت كلماتهم تأتي بصدق النية وصفاء القلب، فأصبحت بلسماً للجروح ومرجعاً للتوجيه والإرشاد. لقد استخدمت كلمتهم كوسيلة لتهدئة النفوس وإيصال الحق، بحيث كان تأثيرها عميقاً ومستداماً.

كان الشيخ عبد القادر الجيلاني، أحد أشهر الأولياء، يستخدم كلماته ليلهم أتباعه، حيث كانت خطبه مليئة بالحب والدعوة للتقرب إلى الله بصدق وإخلاص. كلماته لم تكن فقط تعليمية بل كانت روحانية تحث على الرقي الأخلاقي وتذكرة بالتواضع والزهد، وكانت تجذب قلوب الكثيرين إلى درب السمو الروحي.

حكمة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان عن قوة الكلمة

في عصرنا الحديث، كان الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، يدرك جيداً قوة الكلمة وأثرها في توجيه الأمة وبناء مجتمع متماسك. ومن أقواله الملهمة عن الكلمة وأثرها:

«إن الكلمات الطيبة والبناءة تزرع الخير وتنشر المحبة بين الناس، ونحن بحاجة دائماً لكلمات تجمع ولا تفرق، تبني ولا تهدم».

بهذه الكلمات البسيطة، عبر الشيخ زايد عن رؤيته العميقة بأن الكلمة الطيبة هي أساس بناء المجتمعات، وأن الكلمة الصادقة والمحبة تستطيع أن تكون أساساً للتعاون والتآزر بين أفراد المجتمع، لتحقيق مستقبل مستدام ومشرق للأجيال القادمة.

الكلمة إذاً، هي إرث وتكليف، تستمد قوتها من صدق قائلها ونقاء مقصده. علينا أن نستمر في استلهام الحكمة من كلمات القادة والأولياء، ونستفيد منها لبناء عالم يقوم على العدل، التفاهم والسلام.