أهنئكم أيها الأعزاء في كل مكان، بحلول شهر رمضان الكريم أعاده الله علينا وعليكم باليمن والمسرّات والبركات، وأسأله تعالى أن يحفظ حكومتنا الرشيدة ويسدد خطاها ويوفقها في كل خططها لخدمة الشعب ورفاهيته، اللهم آمين.
أبدأ معكم يومياتي بأمرٍ مختلف عن السنوات الماضية في رمضان المبارك، لأنني سأقدم لكم كل يوم مؤلفاً في تاريخ الخليج العربي أو بحثاً أو مقالاً أو لقاء في قناة تلفزيونية أو صحيفة يومية أو مجلة أسبوعية أو شهرية، مما اطلعت عليه ووجدت فيه ما يوجب علينا أن نذكر فوائده، وأن ننبه على أوهامه وأخطائه، لأنّ العلم والبحث في فنونه والغوص على أسراره واكتشاف كل كنز ثمين في أعماقه، من أكثر الأمور إثارة للعلماء وأهل الهمّة العالية من طلبة العلم في كل زمان ومكان.
ولا شك أنّ المحاضرات وتأليف المؤلفات ستكون ثمرة لهذه الأبحاث المتواصلة والجهد الجهيد في التنقيب عن أخباره وكشف خباياه، وإلا لن تكون لتعبنا فائدة ولن يبقى طريق العلم سالكاً بسبب انقطاعه وكثرة حفره بسبب عدم التدوين، كما نشاهده ونعاينه ونعاني منه كل اليوم في جمع تاريخنا المحلي القديم منه والحديث، مما جعل سبيل الباحثين خطراً فيه كثير من الحفر التي تجعل بعضنا في حيرةٍ من الأمر، خاصة لمن يعتمد إثبات الحقائق بالأدلة والوثائق، ويردّ عنه كل كذب وتلفيق وجمعٍ يشبه حُطّاب الليل الذين بسبب عدم وضوح رؤيتهم وقلة العلم والفهم تختلط لديهم الأدلة والوثائق القوية والضعيفة والمكذوبة، فيقعون في أخطاء يضحك منها الصبيان.
تقع الأخطاء في المؤلفات عادة لأن لا عصمة إلا للرسل والأنبياء، ومن ادعى العصمة واليقين في ما وصل إليه وكتبه في كتبه وأبحاثه، فإنه خالف الحقيقة التي جبل عليها الناس ووقع في شرٍّ كبيرٍ وستصيبه سهام نقد العلماء المحققين. وإذا كانت الأخطاء العلمية واردة ولا مناص منها في الكتابة، فإن هذا يعطينا حافزاً أكبر لنجتهد في التحقيق والتثبت من كل معلومة ننشرها بين أهل العلم، ولا نعجل فإنّ العجلة لا تصلح في نشر العلوم، ولنشاور أهل الاختصاص حتى نصل إلى درجةٍ قريبةٍ من الكمال كما قال المتنبي:
ولم أرَ في عيوبِ الناسِ عيباً
كنقص القادرينَ على التمامِ
وما قاله «المتنبي» إذا تدبّرنا في الأمر جيداً صحيحٌ، لأنّ القادرين على إتمام أعمالهم على أحسن وجهٍ وإتقانها بالشكل المطلوب ثم يعجزون عنها بغير سببٍ، معيب أمرهم جداً ولا يمكن أن نعتذر عنهم بل نقول: إنهم قصّروا ولم يوفوا العلم حقه.
وقد يقول قائل: لعلّ هؤلاء الكتّاب تعمّدوا تضليل الناس لغايةٍ في أنفسهم يريدون إدراكها من خلال تشويه الحقائق! وسأجيب: ربما يكون الأمر واقعاً ولكننا لا ينبغي أن نجزم به إذا كان هذا الكاتب من العلماء المخلصين أو من أهل الصدق، فإنْ كان غير ذلك فإنّ الشك قد يسري إلى أفكارنا وسنوجّه الاتهام المباشر له بلا ريب، ولكن بعد استيفاء الأدلة عليه.
كذلك يجب علينا ألا نستعجل في نقد أهل العلم حتى نكون أهلاً لهذه المنزلة الخطيرة، وكما قال الأول الحكيم:
منْ لم يشافهْ عالماً بأصولهِ
فيقينهُ في المشكلاتِ ظنونُ
من أنكرَ الأشياءَ دونَ تثبّتٍ
وتيقّنٍ فمعاندٌ مفتونُ
الكتْبُ تذكرةٌ لمنْ هو عالمٌ
وصوابها بمحالها معجونُ
والفكرُ غوّاصٌ عليها مخرجٌ
والحقُّ فيها لؤلؤٌ مكنونُ