تاريخنا القديم المجهول الذي لم يوثقه أحد، اللهم إلا ما جاء في أخبارٍ قليلةٍ وأشعارٍ نادرةٍ ووثائق للمستعمرين مفرّقةٍ هنا وهناك ورحلاتٍ قليلةٍ قدمت من الغرب، فكتبوا ما شاهدوه وكانت مشاهداتهم قليلة بسبب ضيق الوقت واضطرارهم للتنقل السريع من بلد إلى بلد، كذلك عدم معرفتهم باللغة العامية الخاصة بكل منطقة من مناطق الجزيرة العربية التي زاروها يجعل الأمر صعباً للغاية ولكنهم كتبوا وجمعوا لنا وبعضهم رسم بعض الآثار وآخرون وضعوا خرائط استفاد منها من أتى من بعدهم، مثل الخارطة التي وضعها »نيبُور« الألماني الذي تُعد رحلته من أهم الرحلات الغربية للمنطقة بعد بالبي الإيطالي، ومما يزيد الطين بَلةً وكما نقول في لهجتنا الإماراتية ( يزيد الخرس دلكة)، أنّ المترجمين الذين تعاقبوا على ترجمة الرحلات والوثائق الخاصة بمنطقتنا لا علاقة لهم بهذه المنطقة ولم يكلّفوا أنفسهم السؤال والتأكد من الأسماء التي وردت في هذه النصوص الغربية مما يجعل الأمر أبعد ما يكون عن الحقيقة والصواب، ودور النشر لا تأبه لهذه الأمور الخطيرة التي قد تدخل الباحثين في أنفاق مظلمة أو في صحراء من التيه والأخطاء والأوهام بسبب استعجالهم للطباعة دون النظر في التحقيق العلمي الصحيح وإخراج الكتاب بشكله المناسب للقراءة والبحث، كما فعلت مؤسسة الانتشار العربي التي أخرجت رحلة »نيبُور« وهي تحمل أثقالاً من الأخطاء المضحكة وعليها أوزار كل من ستخدعه هذه الترجمة غير المحققة.

بداية الرحلة

يقول نيبُور: »أمر الملك فرديرك الخامس، ملك الدنمارك، باختيار الأشخاص المناسبين لهذه المهمة وأسعدني الحظ فكنت من المختارين، وقد تم اختيار خمسة أشخاص للقيام بهذه الرحلة، البروفيسور فردريك كرتيان فون هافن الذي درس اللغات الشرقية والبروفيسور بيار فورسكال عالم التاريخ الطبيعي والطبيب كرتيان شارل كرامر، وكان على جورج بورنفند رسم المناظر والمنتجات الطبيعية والملابس، وأنا كان اهتمامي بالجغرافيا«.

وعن مسار الرحلة يقول نيبُور:» تلقينا الأمر قبل رحيلنا بالتوجه إلى الخليج عبر مصر وانتقلنا في الرابع من يناير عام 1761 على متن سفينة من سفن الملك من كوبنهاجن إلى سميرن، تحت إمرة القبطان فيشر وتوقفنا في القسطنطينية ثم توجهنا إلى مصر«.

وفي سياق حديثه كان يتأسف على عدم مكوثه أكثر في هذه البلدان كما كان مقرراً فيقول: » كان علينا أن نمكث فيها سنتين أو ثلاث ونعود بعدها عبر البصرة وحلب، وذلك لم يحصل. فلو بقينا فيها كل هذه المدة لتسنى للعلماء الحصول على معلومات وافية ومهمة تتعلق بشبه الجزيرة العربية«.

مأساة الرحالة المكتشفين

فريق هذه الرحلة العلماء لم يتمكنوا من مواصلة رحلتهم واستكمال البحث الذي بدأوا فيه على أهميته الكبرى لنا اليوم لو نجوا، فقد توفي فرديرك كرتيان في مدينة المخا في اليمن 1763 ثم فورسكال بعده بقليل في مدينة يريم اليمنية، فقرر نيبور وبورنفند وكرامر الرحلة إلى الهند. فمات رفيقهم بورنفند قرب جزيرة سقطرة. واستمر الناجيان الوحيدان في رحلتهما إلى الهند، ثم توفي كرامر في بومباي عام 1764.

 وهذه مأساة للبحث والعلم فأجسادهم لم تتحمل أجواء الجزيرة العربية حتى لقوا حتفهم، يقول عن هذا كارستن نيبور: »بالرغم من أنّ الموت قضى على رحلتنا لم نتوانَ عن زيارة شبه الجزيرة العربية وكان عدد أعضاء البعثة مرتفعاً فلم نتكيف على طريقة عيش أهل البلاد وأكثر أكلنا اللحوم، وهو طعام غير صحي في البلاد الحارة. كذلك كنا نبقى طويلاً في الخارج نستمتع ببرودة الليل ولم ننتبه إلى الفرق الشاسع بين حرارة الجبال والسهول«.