من عجائب هذا الزمان أنّ الجحود صار طبيعةً لبعض فاقدي الهُويّة ممن تكرمهم حكوماتهم وتعزّهم وتغذيهم بالكرامة وتحنو عليهم، من أمثال أصحاب الأفكار الضالة من مستأخونين وغيرهم من الذين لا ينفع فيهم الإحسان، ولو فعلت حكوماتهم كل شيء لسعادتهم فسيظلون على حقدهم، فطبيعتهم تحثهم على نكران الجميل، والحوادث التي نراها اليوم تظهر لكل صاحب حكمةٍ طبائع هؤلاء الأشرار يوماً بعد يومٍ، فهم لا يتركون مدخلاً على حكوماتنا إلا استغلوه أسوأ استغلال بالنقد البغيض الخالي من أي نوعٍ من الإنصاف، فنقدهم من أجل التشفّي، لأنّ قلوبهم تغلي حقداً علينا، وهكذا نبتت عقيدتهم المشوهة في مرتعٍ وخمٍ، ولا ينجع فيهم الدواء إلا الحسم وأن تبرق فوق رؤوسهم السيوف ويسمعوا صليلها، حتى يخافوا ويكفّوا عن أمتنا الإسلامية أذاهم فقد تعبنا منهم أشدّ التعب.

وأعجب من هذا كله، أن يتمّ كل هذا النقد الحاقد السريع من قبل إيران وتركيا والمستأخونين في وقت واحد، وكأنّ حادثة تدافع الحجّاج في منى كانت مرتبةً بينهم ويعرفون وقت حدوثها، وفي سرعة البرق قاموا جميعاً باتهام المملكة العربية السعودية بتغريدات وتصريحات و(سنابات) ومداخلات في القنوات ومقالات وأخبار مسمومة، ومما زاد الطين بلّة أنّ بعض المنتقدين من الإخونجية لم يمهلوا السلطات السعودية فرصة للتحقيق في الحادث الأليم، ولم يوجهوا النقد بعد أن يذكروا محاسن المملكة السعودية، حفظها الله، ومشاريعها الكبرى وحسن تنظيمها لمواسم الحج السابقة، ولكنهم ضربوا بعرض الحائط كل ما سبق وما سيأتي من إنجازاتٍ عظيمةٍ لخدمة ضيوف الرحمن وبيت الله، وتوقفوا عند شارع 204 في منى الذي وقع فيه التدافع، وقد أكد شهود العيان أنّ سببه عدم التزام الحجاج الإيرانيين الذين مشوا فيه بعكس السير فحصل ما حصل.

الأخطاء التشغيلية تحدث في جميع دول العالم، وقد تكون لعدة مئات أو آلاف من البشر إذا تجمعوا في مكانٍ واحدٍ، فكيف إذا كان الأمر في مكة المكرمة، حيث يجتمع فيها ملايين البشر في أيامٍ معدودةٍ من كل جنسيات العالم باختلاف ألوانهم وألسنتهم واختلاف مستوى تعليمهم وأعمارهم، وإذا سلّمنا جدلاً بأنّ الحادث كان خطأً من منظمي الحجّ، لماذا لا لم تقم هذه الدول المنتقدة بتبيين هذه الأخطاء بشكل لائق بعد أن تقول: شكراً على جهودكم ونحن على أتم الاستعداد للوقوف معكم متى شئتم وسنفتح لكم كل سبل التعاون في السنوات المقبلة..

ولكنّ هذه ليست نيّتهم بل طالبوا مباشرةً بمؤتمرات دوليةٍ لبحث تأمين الحجاج وتدويل إدارة مكة! والذي يضحكني أنّ هذه الانتقادات جاءت من دولةٍ عجزت عن تنظيم بضعة آلاف من المشجعين في استاد واحد، ولعلمكم أيها الأعزاء هذه بعضٌ من أسوأ حوادث التدافع التي حصلت في السنوات الماضية، ولم تكن أبداً في مكانٍ يحوي هذه الأعداد الغفيرة من الحجاج ومن أشهرها:

-حادث تدافع جسر الأئمة في بغداد وراح ضحيته ألف من الشيعة غير الإصابات الكثيرة في 2005.

-استاد هلزبره في إنجلترا عام 1989 وراح ضحيته 96 من البريطانيين.

- استاد لينين في روسيا في 1982 راح ضحيته 340.

وهناك حوادث تدافع أخرى كثيرة مأساوية في إيران وغيرها من الدول، ولكنها لا تقارن أبداً من حيث العدد الكثير مقابل الحوادث القليلة التي تحصل أثناء تأدية مناسك الحج، فإنّ المقارنة ستكون مجحفةً بلا شك، لأنّه إذا قارن عاقل حجاج مكة بأي أعداد في مكانٍ آخر فلا عقل له.

لا يسعنا ونحن ممن شاهد التقدم المذهل في خدمات الحج منذ حجي الأول حتى اليوم، إلا أن نشكر المملكة السعودية على كل ما تقدمه من خدمات جليلة لحجاج بيت الله، ونثني عليها ونفتخر بها وبرجال أمنها المخلصين الذين يسهرون على تأمين المشاعر وتنظيم تفويج الحجاج على أحسن وجه، وقد تقع الأخطاء غير المتعمدة، ونستطيع أن نرسل ملاحظاتنا للجهات المعنية في وزارة الحج السعودية وسينظرون فيها بعين الاهتمام، أما الأخطاء المتعمدة من بعض دول الأعداء فإنّا كلنا لها بالمرصاد، وسيعلم الظالمون أيّ منقلب ينقلبون، كفانا الله شرورهم ورحم الله الحجاج الذين ماتوا أثناء تأديتهم مناسكهم، وتقبل الله من الباقين وأعادهم إلى بلادهم سالمين مغفوراً لهم آمين.