الحصار الذي فُرض على إيران طيلة خمس وثلاثين سنة الماضية بضغطٍ من الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها كان كفيلاً أن يكسر ظهر هذه الدولة التي تسميها أميركا بالدولة المارقة منذ الاعتداء على السفارة الأميركية في طِهران عام 1979 وسرقة جميع وثائقها إلى بداية نشاطها في تصنيع مفاعلاتها النووية واتهامها بتصنيع قنبلةٍ نوويةٍ جعلت من العالم كله يتوجّس خيفةً منها ويحاول إقناعها للعدول عن هذه الفكرة المريعة..

ولكنّ هذا الحصار لم ينجح في تركيعها، بل كانت إيران في كل هذه السنوات تعمل جاهدة على خلقِ وجودٍ لها في أماكن الوجود الشيعي المنتشر في العالم والذي تستطيع منه الولوج إلى قلوب الضعفاء المغلوبين في تلك البلدان بالمال والعطايا تارةً وبالبكاء واللطم على أحوالهم المتردية تارةً أخرى، وكذلك إثارة مشاعر المساكين بالتبشير بخروج (المهدي) الذي سيعيد لهم المُلْك والغلَبة على أهل السنّة الذين ظلموهم على حد زعمهم.

وجدت إيران وهي الدولة المارقة كما تسميها أميركا سبيلاً سالكاً لها في لبنان أثناء الحرب الأهلية فاستطاعت تكوين الحزب المشؤوم المدعو (حزب الله) في سنة 1982.

وكان لبنان حينئذ تحت الاحتلال السوري ولحافظ الأسد علاقات وطيدة بالخميني منذ عام 1975 عندما طُرد من العراق، فلما حكم إيران عام 1979 توطدت هذه الأواصر الحاقدة على العرب وقد ظهرت جليةً في تأييد إيران لحافظ الأسد في كل أعماله بل مساعدته عسكرياً واقتصادياً في بداية الثمانينات فكانت المكافئة أنه مهّد الطريق لقيام حزب الله اللبناني.

وفي اليمن انتشلت إيران بدر الدين الحوثي من أوحال الفقر واحتضنته وساعدته وأمدته بكل ما يريد من معونات وتدريب وحوّلته وتلاميذه إلى المذهب الشيعي الاثنا عشري منذ بداية الثمانينات، ولا أدري هل كان الشاويش رئيس اليمن المخلوع (عفاش) نائماً في العسل أو مشاركاً في هذه الخيانة مساعداً لتكوين الحوثيين خاصة عندما قام (صلاح أحمد فليتة) بإنشاء اتحاد الشباب عام 1986م..

والذي اتخذ مبادئ الثورة الإيرانية مواد للتدريس، وكان يعاونه محمد بدر الدين الحوثي بتدريس هذه المواد حتى تمكّنت الدروس الإيرانية في رؤوس هؤلاء المجانين. وفي أواخر الثمانينات ومطلع التسيعنات بدأت إيران بدعم حماس الفلسطينية وكان حزب الله اللبناني هو الممهد لهذه العلاقة أيضاً وحماس وإن لم تكن شيعية ولكنها سيفٌ بتّارٌ لشق الصف الفلسطيني.

ولكي تظهر للمسلمين الساذجين بأنها تدعم تحرير فلسطين، وهي لا تريد إلا فرقتهم ولا يعنون لها شيئاً ولكنها أفضل من يصيد في الماء الكدر وقد نجحت بعد ذلك بسنوات بفصل غزة عن الحكومة الفلسطينية في رام الله بمساندة كاملة من إيران.

وعوداً على بدءٍ في الشأن اليمني فقد وجد حسين بدر الدين الحوثي في سنة 1991 فرصة لتشكيل حزب سياسي له بعد فتح الرئيس اليمني المخلوع (عفاش) باب التعددية السياسية فأسس حزب الحق وتنظيم الشباب المؤمن وفاز بمقعد في البرلمان اليمني وهكذا أصبح الحوثيون لهم تمثيل ووجود رسمي في الدولة وصارت أعدادهم في ازدياد و(عفاش) المتآمر لا يفعل شيئاً بل يصرح..

ويحذر من الحوثيين من بعيد ويترك المجال لهم بمعاونة الإيرانيين بتوسيع نفوذهم وزيادة قوتهم بعد الفقر والذلة التي كانوا فيها ولا أشك أنّ هناك قوى يمنية من داخل صنعاء هي التي ساعدت من حيث تدري أو لا تدري على تنامي قوة الحوثيين في البلاد ومن بينهم (عفاش) الخائن ولعله أخذ رشاوى كبرى من الإيرانيين لتسهيل هذه المهمة التي تكتوي الآن اليمن والجزيرة العربية كلها بنارها.

ومنذ التسعينات قامت إيران بمد الحوثيين بالسلاح والمال وأخذت عناصرهم إلى لبنان وإيران وسوريا والعراق فتلقوا تدريبات كثيرة مكنتهم من الدخول في حروب طاحنة كثيرة مع الجيش اليمني وقتل فيها مؤسسها حسين الحوثي وخلفه أخوه الأصغر عبدالملك الحوثي ..

وهكذا تمكّن الحوثيون من فرض قوتهم على الواقع اليمني الأليم وفي كل مرة يخرجون من حرب يعودون بقوةٍ أقوى من الحرب السابقة حتى جاءت سنة2011 والربيع العربي المشؤوم..

هذا وللمقال بقية.