لعل من يقرأ عنوان هذه المقالة سيقول معلقاً ومتعجباً: ومن يسرق الكتب في هذه الأيام! والخلق يلهثون وراء الذهب والفضة.. حتى ولو جمعوا القناطير المقنطرة منها فلن يكتفوا بها ويقولون هل من مزيد! هذه هي الحقيقة التي لا يُجادل عليها اثنان، ولكنّ هناك أطفالاً لم يبلغوا سنّ الكدّ والكدح في الحياة بعدُ ولهم أحلام صغيرة وردية، لا غشّ فيها ولا طمع.
فهم يرون الأشياء الصغيرة كبيرةً جداً، وقد يكونون لهم عوالم خاصةً بهم لا يصل إليها إلا من يملك تلك القلوب الطاهرة النقية التي لم تعرف إلا النقاء والصفاء في عالمٍ يختلف تماماً عن مخيلتهم.
كان من جملة هؤلاء الأطفال طفلٌ له أخت أكبر منه تحب القراءة، وكانت تأتي بالكتب إليه لتقرأها فيأخذها منها فيبدأ في القراءة ليعيش في حياته الجديدة التي لا يعرفها في واقعه، ويتعرف إلى رجال ونساء رحلوا من أزمنة بعيدة ويراهم كأنهم عنده يحدثهم ويحدثونه حتى أشغلوه عن فريجه (حيّه) الذي يعيش فيه وعن أصدقائه الأطفال، وشرع ينهل من معارف كثيرة أهلته سريعاً لأن يكون طفلاً مختلفاً عن باقي أترابه علماً وحكمةً وأسلوباً وفصاحةً.
وكل ذلك بسبب تلك الكتب التي كانت تسرقها أخته من مكتبة جاره الطيّب الذي كان متأثراً بعدة تيّاراتٍ قوميةٍ، لكنّه كان مثقفاً تحمل مكتبته كثيراً من الثقافات المتنوعة التي كانت كفيلةً لتغذية عقول طفلين فأحبا الكتاب والقراءة، حتى بلغا ما بلغا بسبب تلك الكتب التي كان بعضها مسروقاً، فهل يجوز سرقة الكتب؟
قال بعض العلماء سارق الكتب النافعة لا يُحد إذا كانت النية أخذ العلم منها وبه يتم التأول في الحكم وبعضهم شدد فيه، وقد قال لي بعض الأصدقاء أنّ أحد وجهاء دبي قال له وهو صغير: يجوز لغرض التعلم سرقة الكتب، فقام هذا الصغير وأخذ مجموعة من كتب هذا الوجيه فلما رآها في مكتبة الصغير قال له: كيف أخذت كتبُي من غير استئذان؟! فأجاب الصبي: ألم تقل لي بأنّ سرقة الكتب تجوز لأخذ العلم، قال: بلى ولكن لا تقرب كتبي.
بعد مرور السنوات على هذه السرقات للكتب من هؤلاء الأطفال، أصبحوا من مثقفي الدولة وأدبائها ويتذكرون تلك القصص التي جذبتهم للقراءة من مغامرة طفولية ليصبحوا من أرباب القلم والأدب والثقافة، مما يجعلني أقول: بأنّ العبقرية التي لا تصقلها القراءة وحب الكتاب تبقى هزيلةً لا قيمة لها.
وما أظن الكاتب الأسترالي ماركوس سوزاك علم بقصة هؤلاء الأطفال في إمارة دبي فألهمته أن يكتب روايته الرائعة (سارقة الكتب)، التي نشرت سنة 2005 وحصدت جوائز عديدة وبيعت منها نسخ كثيرة وتحولت إلى فيلم سنة 2013، ومن بين هذه الجوائز لعام 2006: جائزة كومونولث للكتاب عن أفضل كتاب في جنوب شرق آسيا وجنوب المحيط الهادئ، وفي العام نفسه من مجلة (سكول لايبراري جورنال) بالإنجليزية، عن أفضل كتاب للعام.
كذلك جائزة دانييل إليوت للسلام، وغيرها من الجوائز العالمية.