ستكون الموصل الخط الفاصل ما بين العرب وإيران، كل العرب، ولن نقول السنة والشيعة، فهذه النعرة المذهبية زرعتها إيران وغذتها بأحقادها، وللأسف وجدت من يأخذ بها في بعض بلادنا العربية، ولكن الأصل يبقى ويسود، وهو أن العرب تعايشوا مع المذاهب وتجاوزوا النعرات منذ زمن بعيد، ولو كان الأمر غير ذلك لما وجدنا المذهبين يتعايشان دون تفرقة أو عنصرية في كل الدول.
وقبل الخميني وقيام الدولة المذهبية، وليس الدينية، في إيران، كان العراق واحداً، بعربه وكرده وآشورييه، وبمسلميه ومسيحييه، وبسنته وشيعته وصابئته، لا تمييز بين الناس، وتولى المناصب القيادية في الدولة أعلام من كل الطوائف، ما كانوا يسألون عن طائفتهم، بل عن عراقيتهم.
منذ الرئيس الأول بعد ثورة 1958، كان عبد الكريم قاسم عراقياً وليس شيعياً، ومن بعده عبد السلام عارف لم يكن سنياً بل عراقياً، والرئيس الحالي يفترض أنه ليس كردياً ولكنه عراقي الانتماء والولاء. وغير الرؤساء كان الوزراء وقادة الجيش والمفكرون والأدباء والفنانون والرياضيون، أولئك الذين سطعت أسماؤهم في سماء الأمة، ما كانوا يسألون من أية طائفة أو مذهب ينحدرون.
ذلك شأنهم، وتغنينا بهم، وتعلمنا منهم، وطربنا معهم، وصفقنا لبعضهم، كالجواهري والحلّي والسيّاب والبيّاتي ونازك الملائكة، وإلياس خضر وناظم الغزالي وعدنان درجال وحسين سعيد وأحمد راضي وعمو بابا، ومئات غيرهم كانوا رموزاً لنا، وكنا نحبهم ولا نعرف مذاهبهم، ما كنا نسأل لأن ذلك لا يعنينا، الذي كان يعنينا هو ماذا يمثلون بالنسبة لنا، فهم عرب من العراق.
شقت إيران ذلك البلد الجميل بتنوعه، وغرزت الكراهية بين مكوناته، وها هي تستعد بحشدها الشعبي المشحون بالمذهبية الكريهة لدخول الموصل، المدينة العراقية الثانية، المحتلة من تنظيم «داعش» الإرهابي، والمأسور شعبها بقوة السلاح، والكل خائف من تكرار المذابح وعمليات التهجير لأهل الموصل، فقط لأنهم من أهل السنة، والغالبية العظمى من العرب، وهنا سيتسع الشرخ الذي بدأته إيران، ومن بعدها لن تزال الدماء من الأيدي التي ستتلطخ بها، ففي المدينة أكثر من مليون ونصف المليون شخص و«داعش» قلة منحرفة، والحشد «قوة» غاشمة!!