يندفعون في الغرب خلف ظواهر مستحدثة، ويتطرّفون في مواقفهم، وبعد فترة ينتبهون، فيراجعون أنفسهم، ويخرج من بينهم علماء ومفكّرون ومسؤولون يحاولون تصحيح المفاهيم التي قلبوها، بل وداسوها!
آخر التراجعات صدرت عن وزيرة أوروبية، أعتقد أنها فرنسية، وجّهت كلامها إلى النساء والفتيات أولاً، ومن بعدهنّ الأسرة كاملة، وطلبت منهنّ العودة إلى المطبخ، هكذا وبكل سهولة، لمواجهة الوجبات السريعة، والاتكالية على خدمات التوصيل، وتحدّثت عن «الماضي الجميل»، عن زمن «الجدّات»، فهي تذكر بلا شك ذلك الزمن.
وتذكر كيف كانت الجدّة تقف في المطبخ وتبدع في إعداد الوجبات لأبنائها وبناتها وأحفادها، وما كانت تشكو من شيء، بل هي سعيدة بما تفعل، والسيدة الوزيرة كانت من جيل الانطلاق، ذلك الجيل الذي ترك كل شيء وراءه، واندفع خلف الظواهر التي ولدتها حملات المساواة وحقوق المرأة، والتي نتج عنها اختلال في توازن العائلات، ومجاراة من الرجال حتى لا يوصموا بعار التخلّف والرجعيّة، أو ما بدأوا يطلقون عليه «الذكورية» بعد بروز الظواهر اللاحقة مثل «التحوّل» و«المثليّة».
تلك الوزيرة، ربما كان هدفها من العودة إلى المطبخ كما كانت تفعل الجدّات، يتعلّق بالشأن الاقتصادي، وليس محاربة الدعوات «النسوية»، وهذه تسمية هم اخترعوها أيضاً في السنوات الأخيرة، فاقتصادات الغرب تمرّ بمرحلة إرباك كبير، والتضخّم في صعود، والشكاوى تزداد، وأقول ربما كان ذلك هدفها، ولكن يبدو أن العقل الباطن ما زال يعمل، لهذا عادت إلى الوراء.
حيث المعايير منضبطة، والرؤية واضحة، والأهداف محدّدة، فالجدّة والأم كان اسمها الموصوف لها تقديراً واحتراماً «ربّة البيت»، عليها واجبات عظيمة، ولها حقوق لا تقلّ عظمة، ومن أجبرتها ظروفها على العمل كانت تعمل، وفي نفس الوقت لا تهمل دورها في بيتها الذي كان ذات يوم مملكتها.
التراجعات الغربيّة مستمرّة رغم الظواهر الجديدة التي تخترعها فئات تسعى إلى تدمير البنية الأساسية للحضارة الإنسانية، ولن تتوقّف العقول عن التفكير والاستنتاج والمقارنة، فهذه ميزة البشر.