من يتجول في ضواحي المدن الأوروبية الكبرى وفي الأرياف سيكتشف وضعاً آخر، وقد يتساءل كما تساءلنا في الصيف، فهناك لا ترى «شعار الشواذ» معلقاً على كنيسة أو مبنى البلدية، ولا يجرؤ السكان على لصقه فوق سياراتهم، ولا يحمله الطلاب والطالبات فوق حقيبتهم المدرسية، ولا يعبث المدرسون والمدرسات بالمناهج الدراسية، ويكتم المنحرف ميوله داخله، ويتجنب البوح بأسراره، وإذا أراد أن يسوق لنفسه أو للفئة التي ينتمي إليها يذهب إلى المدينة، هناك حيث يختلط الناس بثقافاتهم، ويكثر عدد الأجانب، من المقيمين أو السائحين، فيقدمون لهم صورة مزورة تظهر بلادهم وكأنها «واحة حرية» منفتحة على الحقوق من أوسع أبوابها!

ذلك كان الانطباع الذي خرجت به بعد أن لفت نظري غياب الطابع الذي تظهر عليه مدنهم الشهيرة، وذلك التفسير الذي سمعته من سكان الضواحي والأرياف، فهم يدققون في كل صغيرة وكبيرة في حياتهم، وفي حياة أطفالهم، ففي القرى المحيطة بالمدن أو تلك الواقعة بين الأراضي الزراعية، يقل الاختلاط، ويمر السياح مرور الكرام عليهم، والناس يعرفون بعضهم البعض، ويتدارسون أحوالهم وأحوال مجتمعهم أولاً بأول، ويتوقفون كثيراً عند كل ما يمكن أن يمس قيمهم، ولا يسمحون بالانفلات الأخلاقي في مجتمعهم، عندهم يطبق مبدأ حرية المعتقد والانتماء وتتوقف المبادئ المستحدثة تحت مسمى «حرية الاختيار» وحق الأفراد في إشهار ميولهم المنحرفة، التي تجرح مشاعر الآخرين، هناك يقولون للشواذ «حريتكم تنتهي عند حريتنا».

ولم نسمع أحداً منهم يتحدث عن ذلك، لا يصمون شعبهم الأصيل بالتخلف والتمييز والعنصرية، بل لا يقتربون منهم، سواء كانوا من السياسيين أو أتباع المنظمات الحقوقية، يغمضون أعينهم ويسدون آذانهم ويلجمون ألسنتهم، ويديرون وجوههم نحو الخارج، ويشترطون كما يحلو لهم في بلاد لا سلطة لهم عليها!

وهنا يتبين لنا غياب المنطق، فالفكر المسيطر عليهم أعوج ومنحرف.