أعلنت حماس بأنها «مستعدة فوراً» لعقد صفقة تبادل مع إسرائيل، وأعلن نتنياهو بأنهم بحثوا إطلاق سراح جميع الأسرى الفلسطينيين مقابل رهائن السابع من أكتوبر!

صفقة تطبيعية بامتياز يبدو أنها جاهزة، وسيعتبرونها نصراً جديداً، هكذا هم مناضلو المساومات، تجار الحقائب المملوءة بالدولارات مقابل سيل من دماء الأبرياء الزكية.

والله، لو خُيّر المعتقلون الشرفاء القابعون في سجون الاحتلال بين حريتهم والتضحية بثمانية آلاف غزاوي كلهم تقريباً من المدنيين، لو حدث ذلك، لكان ردهم وبشكل قاطع بأن الدم الذي أريق حتى الآن أغلى ألف مرة من حريتهم!

لا أحد يفعل فعلتهم، لا أحد يرتكب «حماقة» عملية 7 أكتوبر بعد كل التجارب السابقة مع جيش الاحتلال، لا أحد يقدم أبناء شعبه قرابين ليرضي غروره، أو بالأصح ليرضي غرور من يدفعونه لتحويل غزة إلى «محرقة»، ففي ذلك السبت راودتنا الأسئلة قبل أن نخوض في التفاصيل، والسؤال الأكبر كان «ما هو مصير غزة؟»، ومن بعده تفرعت التوقعات والاحتمالات حتى تجمعت في مخيلتنا صورة الكارثة القادمة.

وقد جاءت، ورغم أنها ما زالت في بدايتها، حطمت أرقامها الأفئدة، وزادت حالة الإحباط التي رسموها لهذه الأمة، فالبيوت تتطاير، والجثث لا تجد من يجمعها من الشوارع أو يخرجها من تحت الأنقاض، وثكلت الأم بطفلها، وتيتم الطفل بفقد والديه، وهام المشردون على وجوههم، ليست هناك بقعة تحتويهم وتحميهم، فكل الأماكن مباحة بمنطق محتل تسنده قوى شريرة، فمن لم يخف على أهله وناسه لن يعطف عليه المنتقمون!

الثمن المدفوع إلى الآن أغلى بكثير من «مغامرة هنية ومشعل المدروسة»، خيّبها الله، وخيّب قادتهم الذين لم يبقَ منهم أحد في غزة المنكوبة بأيديهم قبل أيدي أعدائهم، ثمن غالٍ جداً، وما زلنا في البداية، فالقادم لا يعلمه إلا الله، أما نحن فليس لنا غير الدعاء بأن يلطف سبحانه وتعالى بأهل غزة، وبهذه الأمة التي ابتليت بمن يحسبون عليها.