بعد الوصمة جاءت الصدمة، وأدار اللوبي القوي والمسيطر على السياسيين والنافذين في دول الغرب حملة بنيت على التزوير، وصدرت أحكام عاجلة دون قضاة ودون أدلة، ودون حتى إثبات تهم يتحدثون عنها وكأنها حقيقية لا تقبل النقاش أو النفي.

الغرب مصدوم، فهذه إسرائيل التي فتحت ملفاتها في قضية دولية، موضوعها إبادة جماعية، وهي التي كانت حصناً منيعاً، لا يقترب منه أحد، إن خالفت القوانين لا تحاسب، وإن اعتدت لا تساءل، وإن رفضت القرارات لا تلزم، ومن تجرأ عليها؟ دولة كانت حتى 30 سنة مضت مسلوبة الإرادة والحقوق، تخضع لتمييز عنصري من أصحاب العيون الزرقاء والشعر الأشقر، أبناء المستعمرين، من يظنون أن جنسهم فوق البشر أجمعين، بقايا أنظمة نازية وفاشية، ينهبون الثروات، ويحتقرون السكان الأصليين، أصحاب الأرض، وملاك الحق، شعب جنوب أفريقيا، الذي تعرض للمذابح والتهجير والتشريد والاستعباد بحجة التميز الأوروبي، حتى أنهك أصحاب الحق من سرق وطنهم، فاستسلموا لمن نصرهم ربهم، وساندهم العالم بأسره، ولم يرضخ شعبهم، واسترجعوا ما نهب منهم، وأداروا دولتهم، ولأنهم أوفياء لم ينسوا إخوتهم، ولم يرضوا بأن يروا شعباً يقتل في أرضه أو يهجر منها، فكانت مبادرتهم، وكان القرار الذي هز الغرب كله، لأنه كان يعير العالم بإسرائيل، ويستهين ببلاد الشرق الأوسط كلها، ويذكرها في كل مناسبة بالنموذج الحضاري الذي زرعه بينهم، وكانت الديمقراطية هي الشماعة التي علقوا عليها انحيازهم، فكل خطاياهم كانت مبررة لأنهم ديمقراطيون، ينتخبون حكومات تتجدد مسميات رؤسائها بين الحين والآخر، لكنها لا تختلف في سلوكها، من يسارهم إلى يمينهم، ومن يدعو الليبرالية إلى ذوي التشدد الديني، كلهم وجوه لعملة واحدة.

نتنياهو أراد «قشة» تنقذه، فاخترع قصة الأشخاص العاملين في «الأونروا» الذين شاركوا في هجوم 7 أكتوبر، وهي محاولة يائسة للفت الأنظار عن «وصمة العار»، والغرب سانده ليحدث أثراً عاماً لذلك الادعاء، ونسوا جميعاً أن تصرفات الأشخاص لا تحسب على منظمة دولية تدير مهمة إنسانية في غزة إلا في حالة واحدة، وهي أن الغرب يشارك في حرب تجويع جماعية!