الديمقراطية مثل السيارات وأجهزة الراديو والتلفزيون، ومثل الهواتف، الثابت منها والجوال، ومثل الأقمار الصناعية والطائرات وحاملات الطائرات، كلها صناعة ولدت في أوروبا وأمريكا، وترعرعت هناك، ووضعت قوانينها في مجالس الوصاية عندهم، وغير مسموح لأحد في العالم أن ينافسهم أو يشاركهم، فإذا أرادت دولة أو رغب شخص من بلاد غير بلادهم في استخدام منتجهم أو استعارته، تنتقل الوصاية إليه حيث كان، وتطبق عليه الشروط والأحكام!

الديمقراطية ليست ترشحاً وتصويتاً وفرزاً وإعلان نتائج، وليست فائزاً وخاسراً، إنها شيء آخر غير ما كنا نعتقده، شيء بعيد كل البعد عن رغبات الناس، وحقوقهم في منح أصواتهم لمن يرونه صالحاً، شيء يسمى بالتدخل من أولياء الأمر، من تعبوا حتى ربّوا وكبّروا ووضعوا القوانين، هم يرسلون المراقبين، وهم يوجهون الناخبين، وهم أول من يعترضون على النتائج لأنها خالفت قواعد اللعبة التي صاغوها بعناية وحرص شديدين، ومنحوا من لا ينتمي إليهم الفوز.

كنا نعتقد أن الديمقراطية شيء عظيم، متاح للدول التي تحاول أن تكون صادقة مع نفسها، ونزيهة في تصرفاتها، مثل جمهورية جورجيا التي اختارت هذا النظام بعد تخلصها من التبعية للاتحاد السوفييتي قبل 30 سنة تقريباً، والتزمت بكل الشروط والقواعد المفروضة من المنتجين لهذا الاختراع، وهم كانوا هناك، يتابعون ويراقبون، وأعلنت النتائج، وفاز بالأغلبية من لا يريدونه، فإذا بعشر دول أوروبية تعلن عدم اعترافها بنتائج الانتخابات، والدولة الكبرى، رمز الحرية والديمقراطية، الولايات المتحدة، تتدخل وتطالب بلجنة تحقيق في النتائج، ولم تقدم الدول المحتجة على شيء لا يعنيها، سبباً واحداً يستدعي تغيير النتائج غير هزيمة الشخص أو الحزب الموالي للغرب واحتجاج بعض مؤيديه!

والسؤال الذي يشغل البال مرتبط بانتخابات الولايات المتحدة بعد أربعة أيام، إذا خسر ترامب وحدث ما حدث سابقاً وأكثر من مؤيديه، هل ستشكل لجنة تحقيق أو لا تعترف أوروبا بالنتائج المعلنة؟